&فالح الذبياني& &&

باهتمام بالغ تابع العالم الحريق الذي اندلع في المتحف الوطني في البرازيل، وبلغة حزينة قال رئيس البلد المنكوب إنه «يوم حزين لكل البرازيليين خسرنا 200 عام من العمل والبحث والمعرفة»، فقد أتى الحريق على أكثر من 20 مليون قطعة أثرية ليست مهمة للبرازيليين فحسب بل للعالم أجمع.&


اخترت هذه المقدمة لأبين حجم الاهتمام العالمي بقضية المتاحف وكيف أنها اليوم ذات أهمية بالغة جداً، فالمتاحف هي الرئة التي يستنشق من خلالها جيل اليوم وأجيال المستقبل تاريخ أوطانهم ونشأة حضارتهم وعلى أي أرض يقفون، ومن أي كوكب هم قادمون، وهي بلا شك رسالة حضارية وثقافية تتفوق في تأثيرها على ما تحدثه وسائل الإعلام من أثر على المتلقين، فالزائر للمتاحف أياً كان نوعها واهتمامها وتاريخها، يخرج بقناعة راسخة عن نضج وفكر واهتمام الأمم بتاريخها وعمق حضارتها وعلو شأنها، ويشاهد بعينه ما لا يمكن أن يقرأه في كل كتب التاريخ ومصادر المعرفة.


بلغة الأرقام، سنوياً يزور متحف «اللوفر» في فرنسا 8.1 ملايين شخص، كما يزور المتحف الوطني الصيني 8 ملايين، ويزور المتحف الوطني للطيران والفضاء بالولايات المتحدة نحو 7.7 ملايين، وغيرها الكثير من المتاحف العالمية، وهنا في المملكة بدأ الاهتمام بالآثار والعناية بها منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمة الله، حيث أسس لأول متحف خاص بالثروة المعدنية، وقد أشار إليه عبدالقدوس الأنصاري في كتابه بين التاريخ والآثار، ثم أنشئت أول إدارة للآثار عام 1962، بعدها صدر نظام الآثار في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز يرحمه الله، وقد توالت عمليات الاهتمام بالآثار والمتاحف من ملوك هذه البلاد المباركة حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، الذي توج هذا الاهتمام بتبنيه ودعمه ورعايته لأكبر وأضخم برنامج يحمل اسمه ويعنى بالتراث الحضاري المجيد للمملكة، حيث انطلقت عجلة العناية والبناء في المتاحف الرئيسية والإقليمية، فلا يوجد منطقة إلا وأعمال البناء تتواصل ليل نهار لإنجاز متحف يضم ويحكي قصة هذه المنطقة.&


يقول الأمير سلطان بن سلمان في كتابه الخيال الممكن إن «اقتصاد التراث الحضاري للمملكة سيتفوق على ثروة النفط»، وأزيد على ذلك إذا كانت أسعار النفط قابلة للانخفاض بفعل الظروف السياسية والأمنية التي تحيط بالعالم فإن اقتصاد التراث الحضاري للمملكة سينمو دون أن ينقص، وهل هناك مسلم على وجه الأرض لا يريد أن يتعرف ويشاهد تاريخ هذه البلاد العظيمة؟ وما أعظمه من تاريخ.
&أكثر من 30 عاماً والأمير سلطان بن سلمان ينافح عن قضية الآثار الوطنية ويعمل بشكل منهجي ومنظم لحمايتها وصونها من العبث، إيماناً منه بأن التراث الوطني هو المحور الأساس لتوثيق ارتباط المواطن ببلده، هو يرى ونحن معه نرى أن تراثنا يمثل ذاكرة التاريخ والوعاء لأجمل وأنقى وأبهى القيم التي صنعت المواطن، الذي وحد أطراف بلادنا وصمد في وجه كل مخططات الإطاحة بهذه الدولة منذ تأسيسها.
&والحق أقول إن الأمير سلطان بن سلمان هو أول مسؤول أبرز هذه القيمة التاريخية لوطننا، وأخرج هذه الآثار من حفرة الآثاريين وبطون الكتب العلمية إلى المتاحف المحلية والعالمية، فطاف تراث المملكة الحضاري وأندر قطعه الأثرية أكثر دول العالم أهمية، فكان ذلك إبهاراً للعالم بعمق حضارة الجزيرة العربية وقوة إنسانها، فالأمير سلطان رجل مفتون بتراث وطنه، مسكون بهواجسه وتحدياته، مؤمن بأن عزل المواطن عن تاريخ وطنه وقصة بناءة كارثة كبيرة، ولهذا فلا يوجد أثر قديم أو مدينة عتيقة أو قرية لها قصة وتاريخ إلا وزارها الأمير سلطان بن سلمان واستمع لتاريخها.. ووجه بإعادة بنائها.. وتوثيق قصة أهلها، إنه يرى طين هذه البلاد عطراً.&


ومن هذا المنبر أعيد التأكيد على أهمية العناية بالتراث الوطني عنايةً وحماية، وجعله جزءا أساسياً من حياتنا ومستقبلنا، وعلى الرغم من كل ما وصلنا إليه في مجال العناية بالتراث إلا أن المملكة بموقعها السياسي، والاقتصادي، والديني في حاجة أكبر للاستثمار في هذا المجال بشكل أعمق وأكثر، فالتراث الوطني كما قال الأمير سلطان بن سلمان غير مرة هو الاقتصاد المقبل، ولنا في حريق متحف البرازيل الوطني ألف عبرة وعبرة.

&