عبدالحق عزوزي
سنة 2017 كانت مليئة بالأحداث والمفاجآت، وبداية السنة الميلادية الجديدة هي مناسبة لكي يسبر الاستراتيجيون والمحللون أغوار واقع النظام العالمي وأهم تجلياتها، وينزعوا عن وجهها الأخبار المتلاحقة بحثاً عن الأسباب والعلل وعن القواعد البنيوية الثابتة المتحكمة بالأمور المتحولة، وشخصياً أجد ست محطات رئيسية في قراءتي لسنة 2017 حري بنا الوقوف عندها واستخلاص بعض الدروس والعبر منها:
وصلنا إلى مرحلة جديدة انتقل فيها النظام العالمي من السيادة إلى الارتباط والاعتماد المتبادل بين الدول، ومن قاعدة أولية القوة إلى قدرة الدول الصاعدة (اقتصادياً) في زعزعة النظام العالمي القديم، ومن التراتبية إلى مسألة «الحراك» و«التحرك» الدائمين، ومن القراءة الكلوزفيتزية للحرب المبنية على صراع الدول، إلى نوع من الصراع قائم على تفكك المجتمعات الداخلية.. ودول مثل اليابان والصين فهمت هاته القواعد الجديدة، ووعت الأحداث المتتالية التي وقعت بعد نهاية الحرب الباردة، ونجحت في التموقع الجيد في النظام العالمي الجديد وأجادت عمليات المراوغة اللبقة وقواعد الحذر والرصانة.
كل المحللين، يرون أن استراتيجية ترامب القائمة على «أميركا أولا» خطأ ومصيبة كبيرة على أميركا والحلفاء، وهي تتعارض مع القيم الاستراتيجية المشتركة التي جمعت كل رؤساء الولايات المتحدة الأميركية في المائة سنة الأخيرة، وبمعنى آخر فإن الرؤية التقليدية لأميركا عن العالم حدث فيها زلزال مدو. الرئيس ترامب هو رجل أعمال يسير البلد على شاكلة الشركات الكبرى، معني في ذلك بالربح الكلي دون اعتبار كبير للاتفاقيات الدولية التي وقعها الرؤساء السابقون، لذلك نجد قرارات لا تاريخية ولا عقلانية مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، وهو رجل لا يبالي بما يكتب عنه أو يقال عنه، فحارب «نيويرك تايمز» و«سي ان ان»، متجهاً إلى تويتر كمنبر بديل.
ولم تعد أميركا ذلك الدركي الذي يوجه ويراقب ويتدخل لحماية الحلفاء، وأصبحت كوريا الشمالية خطراً حقيقياً على مستقبل المنطقة بأكملها، فالتجارب النووية الأخيرة لكوريا الشمالية كانت أقوى من التقديرات الأولية وبلغت حوالى 8 أضعاف قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما. ويرى كل الخبراء أن كوريا الشمالية بإمكانها وضع قنابلها الهيدروجينية على صواريخ بعيدة المدى. وكانت وزارة الدفاع اليابانية قد ذكرت أن قوة إحدى القنابل التي جربتها كوريا الشمالية بلغت 70 كيلوطن، وذلك بناءً على تقديرات لجنة منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
في يوليوز 2017 أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرير الموصل بالكامل من «داعش»، ليعلن في ديسمبر (كانون الأول) نهاية الحرب ضد التنظيم الإرهابي، خسر التنظيم معقله في العراق ليأتي بعد ذلك إعلان تحرير الرقة معقل التنظيم في سوريا. لكن موازاة مع ذلك رأينا انتشار ظاهرة «الذئاب المنفردة» بمختلف الأمصار، وطالت عدة دول. ووثق موقع «ستوري مابس» جميع الهجمات الإرهابية لهاته السنة التي وصلت إلى يومنا هذا ألفي هجوم أودى بحياة نحو 7500 شخص كان «داعش» مسؤولا عن مقتل نحو ثلاثة آلاف منهم في دول متفرقة.
الدعوات والأحلام الانفصالية لم يكتب لها النجاح سواء في إقليم كردستان أو في إقليم كاتالونيا.. ولئن كانت الأسباب مختلفة تماماً بين المنطقتين، فإن تدخل السلطة المركزية مشفوعة بتزكية الدول المحورية مكنت من إعطاء الشرعية لهذا المنع، وفرض الولاء المؤسساتي للدولة المركزية.
أدى تحقيق جريء أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» في أبريل الماضي إلى إنهاء مسيرة مذيع «فوكس» بيل أورلي المهنية بسبب التحرش الجنسي، قصته هاته فتحت حملة لمحاسبة مشاهير عالميين ارتكبوا الذنب ذاته، فطالت الحملة أهل الصحافة والسياسة ومشاهير هوليود وآخرها كانت سلسلة التحرشات التي قام بها هارفي واينستين، واختارت مجلة «تايم» أولئك النساء أو «كاسرات الصمت» كشخصية العالم حيث طالبن بمحاسبة المعتدين وتحدثن بشجاعة عن القصص الأليمة التي مررن بها.
آخر الكلام: في تحليل جدي قامت به مجلة «الإيكونومست»، كتبت في أحد أعدادها أن التعددية والتعليم والأسواق الحرة، كانت قيماً عربية قديمة، ويمكن أن تعود كذلك، وفيما يتصارع السنة والشيعة اليوم (وغيرها من المعضلات)، تبدو هذه القيم آمالا بعيدة المنال على نحو مأساوي، لكنها لا تزال تشكل رؤية لمستقبل أفضل لأناس يعيشون أوضاعاً فيها الكثير مما لا يشتهون، وكل عام وأنتم بألف خير.
التعليقات