سالم حميد

بعملية «غصن الزيتون» التي تنفذها تركيا على الحدود مع سوريا في منطقة عفرين التي يقطنها الأكراد، يزداد الملف السوري تعقيداً يضاف إلى تعقيدات سابقة تراكمت طوال السنوات الماضية من الصراع العنيف الذي لم يصل إلى مربع السياسة والحوار الإيجابي بين النظام وأطراف المعارضة. ووفقاً لحجم التدخلات المتعددة والمتشعبة الأهداف فقد اختلطت الأوراق وتصادمت المصالح على حساب السوريين وعلى حساب إمكانية تحقيق سلام ينهي الصراع الدائر. ورغم طول أمد الأزمة إلا أنها لم تبلور أفكاراً للحل، في ظل تمسك النظام السوري بموقف متصلب، زاد تصلبه دعم روسي عسكري وقوات إيرانية وميليشيات تابعة لـ«حزب الله» اللبناني، مما فتح شهية قوى مختلفة للدخول على خط الصراع بأجندات متضاربة، آخرها التدخل التركي الذي يزعم أنه بصدد حماية حدوده، لكن عبر التوغل في الأراضي السورية والاشتباك مع الأكراد.

ورغم أن غصن الزيتون يرمز للسلام في الثقافة الإنسانية المعاصرة، فإن الجانب التركي اتخذه عنواناً لعملية عسكرية تشترك فيها الطائرات الحربية والدبابات والمدافع التي تستخدم بكثافة باتجاه قرى وتجمعات مدنية في عفرين. ويرى محللون أن هذا التدخل كان سيحظى بالتفهم أثناء سيطرة تنظيم «داعش» على المنطقة ذاتها قبل انهيار التنظيم وانسحابه بفعل عمليات عسكرية قام بها الأكراد لتحرير مناطقهم، أما الآن فإن التدخل بذريعة فرض منطقة أمنية يستهدف تعقيد الأزمة ويؤدي بالضرورة إلى خلق إشكاليات أمنية وعسكرية فرعية، وبخاصة مع وجود حساسيات متراكمة بين الأكراد والنظام التركي.

وفي جميع الأحوال تبدو الخطوة التركية العسكرية في منطقة عفرين السورية بمثابة زيت على نار مشتعلة لا تحتمل المزيد من الوقود بقدر ما تتطلب العمل على إخمادها وتلافي آثارها وجراحها، ومن يتابع الأخبار يجد أن الشأن السوري أصبح عنواناً دائماً تتكرر في مضامينه أنباء الاقتحامات المتبادلة بين النظام والمعارضة للمناطق والأرياف والضواحي، مع احتفاظ نظام الأسد بفارق أكثر دموية ورعباً، نتيجة لتشبثه حتى الآن بإمكانية استخدام الطيران الحربي وإلقاء البراميل المتفجرة!

وبعيداً عن ثنائية النظام والمعارضة التي تحتوي بدورها على فصائل متنافرة ومتناقضة أيديولوجياً ومختلفة الأهداف والغايات ووجهات النظر تجاه مستقبل سوريا، هناك أيضاً التواجد الإيراني المسلح بالعدة المذهبية الطائفية، والذي يشحن أتباعه بشعارات دينية لتبرير تواجده إلى جوار ميليشيات «حزب الله» اللبناني، وفي الوقت ذاته هناك الجانب الروسي وقواعده العسكرية وطائراته الحربية التي تشترك مع النظام في بنك أهداف واحد، ويقول الطرفان إنهما يستهدفان جماعات مسلحة متطرفة، لكن الضحايا من المدنيين لا يسلمون من الاستهداف، ولا ننسى الدور الأميركي الذي يحضر في سوريا بحساباته الخاصة، والدور الإسرائيلي الذي وصل إلى درجة استخدام الضربات الجوية ضد أهداف داخل سوريا.

وبالتالي لا جديد في المشهد السوري بعد كل ما مضى من وقت، وبعد كل ما حدث من نزوح ولجوء ودمار، لا يوجد كذلك ما ينبئ بفتح آفاق لانفراج الصراع والاتفاق على مبادئ أساسية لوقف الحرب.

ولا شك أن التطورات الأخيرة المتعلقة بدخول الأتراك مستهدفين أكراد سوريا، سوف تخلق تداعيات إضافية، وبخاصة أن الطرف التركي أقدم على التحرك دون أي حسابات تتعلق بمحاذير التدخل في شأن دولة أخرى، ناهيك عن التوتر التاريخي الموروث مع الأكراد الذين بدورهم يحشدون ويعتبرون الوقوف في وجه التدخل التركي فرصة لإظهار قوتهم. والمحصلة من الأحداث أن السوريين اليوم يتلقون الضربات من جميع الجهات.

والغريب أن كل جولات التفاوض المتعلقة بسوريا لم تخرج بنتائج تنعكس على الأرض، باستثناء أخبار عن انسحاب مجموعات مقاتلة من مناطق إلى أخرى، وربما لدى المفاوضين من الأطراف المعنية حزمة تفاصيل والتزامات نظرية تم التوصل إليها بالفعل، لكن التنظير يظل كلاماً عالقاً في الهواء ولا يضمن إنهاء أو حسم الصراع الذي طال أمده دون أن يفضي إلى ما يضمن أمن واستقرار ووحدة سوريا. أما الحديث عن جولات تفاوض حول دستور مستقبلي لسوريا قبل وقف القتال فإنه قفز على الواقع وتجاهل لما ترتب على الصراع وما أفضى إليه من صناعة قوى متنفذة وتدخلات خارجية تتحكم في الساحة السورية.