&عبدالله بن بخيت

حتى حرب تحرير الكويت كانت البي بي سي البريطانية مصدر الأخبار الموثوق عند الإنسان العربي،&لا ينافسها في ذلك الزمن سوى إذاعة إسرائيل! إذا انفجر برميل غاز في قرية عربية هرع الأهالي إلى إذاعة (هنا لندن) ثم إذاعة إسرائيل لمعرفة الحقيقة التي لن يجدوها في إعلامهم المحلي. مع انتشار القنوات الفضائية في التسعينات تراجعت الإذاعات وحلت محلها المحطات التلفزيونية كمصدر أساسي للأخبار. بدأت تظهر القنوات الفضائية منفردة وفي مجموعات، من طلائع المجموعات التلفزيونية مجموعة الأوربت التي أخذت تتوسع في عدد القنوات حتى ضمت البي بي سي العربية، الانفتاح الزائد الذي كانت تتمتع به البي بي سي لم يعجب وزارة الإعلام، حيث كانت القناة مرتعاً لبقايا الناصريين والبعثيين ومن أصر على ثقافة الستينات.

اضطرت شركة أوربت أن تسقطها من مجموعتها فعادت لتواجه المشكلات المالية فاشترتها الحكومة القطرية بكل ما فيها بما في ذلك العاملون عليها. استولى القطريون على الخبرة البريطانية العريقة دون أي تغيير أو تبديل، من لندن نقلوها إلى الدوحة بعد أن أبدلوا اسمها إلى الجزيرة.&لم يكن أحد حينها يعلم شيئاً عن الخطط القطرية الاستراتيجية.

قطر دولة ثانوية، شعبها صغير لا يزخر بأي درجة من درجات التنوع الثقافي أو العرقي أو الديني، يمكن القول إن كل فرد يكاد يعرف الآخر شخصياً، شعب لا يمكن أن يصنع الأخبار كما يحدث في أي دولة كبرى كالمملكة ومصر.. إلخ. هذه الضآلة سمحت لقطر أن تترك البي بي سي (الجزيرة) تعمل بشعبوية كاملة. فتحولت إلى كرباج يصيب كل الدول العربية بالكيفية التي ترسمها الحكومة القطرية دون أن ينعكس عليها. الجماهير العربية في ذلك الحين كانت مستعدة لتصديق أي كلام معارض لسياسات بلدانهم، تبنت قطر إرث الإعلام الناصري المدوي ولكن في هذه المرة صار يأتي مصنعاً بمهنية عالية. قدموا هذه الشعوبية تحت شعار الرأي والرأي الآخر. كان تعريف الرأي الآخر في سياسة الحكومة القطرية هو كل ما يخالف توجهات الحكومات العربية التي تختلف معها بصرف النظر عن صدقه أو كذبه. فصارت كمن يقدم للعرب الأسرار التي تخفيها عنهم حكوماتهم. ثم عززت مكانتها بتبني القضية الفلسطينية من الزاوية العاطفية التي تربى عليها العرب على مدى أربعة عقود. أمضت عدة سنوات من حياتها وحيدة ترتع في وجدان العرب لا ينافسها أحد حتى ترسخت كمصدر أساسي للأخبار.

ما يجعل الجزيرة سلاحاً ماضياً في أيدي أصحابها حتى اليوم الأرضية التي تتحرك عليها، عاش كثير من العرب وما زالوا يعيشون على حافة اليأس، لا تنمية ولا تحديث مع جمود القيم العقلانية الذي أسهم في صعود الحركات الإسلامية السياسية المصنع الجديد للأماني الزائفة وأوهام الأممية، بعد ما سمي الربيع العربي لم تعد الجزيرة تعتاش على اليأس بل صارت تصنعه.