& &محمد البشاري

أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، هذا ما عكسه المرسوم الملكي البلجيكي الصادر مؤخراً، بمحاولة منه لإيقاف ظواهر العنف المتكررة، معتبراً «الكراهية والعنصرية»، ضمن دائرة التعريف بالإرهاب، فالإرهاب لا يقتصر على المتورطين مع «داعش» وأخواتها، ولا يعكس حزباً أو جماعة بقدر ما يعكس ذلك السلوك المؤرق، المختلط بأعمال لا إنسانية، وقد برز مؤخراً في «أنتويرب» و«شارلوروا»، والعاصمة بروكسل، المدن الكبرى للتجمع الأجنبي.&
«مجموعات التفتيش والمراقبة»، أو جماعات التخريب والعنف والعنصرية، التابعة لليمين المتطرف، عاثت في تجمعات الأجانب فساداً، دون احترام لحرمة المساجد، أو خصوصية الأفراد في مراكز الإيواء، وبلا تبرير أو تفسير لأعمالها غير أن سياستها لا تتفق مع وجود المهاجرين، مما قرع جرس الإنذار الاستخباراتي البلجيكي، معربة عن تخوفها بأن يكون الرد على هذه الجماعات، من خلال تنفيذ هجمات إرهابية، تنغص أمن البلاد.


ثلاثة وعشرون شخصاً، تجمع أفراداً من اليمين واليسار المتشدد، اندرجت أسماؤهم ضمن قائمة الإرهاب، فضلاً عن المدرجين لقائمة المراقبة، قابله تزايداً مقلقاً لأعداد الناشطين والأنشطة من جانب عناصر اليمين المتشدد، وإصرارهم على تحقيق أيديولوجياتهم حتى لو تطلب ذلك العنف ومخالفة القانون، مما ينذر بضرورة التنبه من تجييش السلطة الرابعة، فمما لا اختلاف فيه أن هناك خطراً يحدق بديمقراطية المنطقة إذا نجح اليمين المتطرف في أدلجة الخطاب الإعلامي.
كما أن ترعرع اليمين المتطرف لا يعتبر تهديداً للديمقراطية الأوروبية وحسب، بل قد يفسد ما وصل إليه المجتمع البلجيكي من ترابط وتقبل وتناغم، ومن أدل الأمثلة على ذلك موقف الشعب البلجيكي إزاء ما سنته الحكومة البلجيكية مؤخراً، بما يجيز احتجاز العائلات والأطفال المرفوضة طلبات لجوئهم لحين ترحيلهم، إذ نفر المئات إلى الشوارع، استنكاراً وانتقاداً للمنظمات الإنسانية، وآثر الشعب البلجيكي «الإنسانية»، على ما دونه ليعلو فوق كل ملامح الاختلاف. ولم يكن ذلك اندماجاً من طرف واحد، إذا استذكرنا التوافد الكثيف العربي والإسلامي إلى ميدان «لابورس»، في قلب العاصمة بروكسل، للوقوف نسيجاً واحداً مع البلجيكيين، غارزين الورود في قلب الفكر القاحل، ومشعلين الشموع في وجه ظلمة التطرف، ومتجاهلين المحاولات التي حيكت في الساعات نفسها لوصول المئات من أنصار اليمين المتشدد، والتي ربما عرضت حياتهم للخطر لولا التصدي الأمني لذلك.&
ورغم أن نسبة مشاركة المرشحين من القوائم الحزبية والجهوية للأجانب، ازدادت لهذا العام بنسبة 15%، مقابل 9% للعام الماضي، إلا أن هذه المشاركة الإسلامية في الانتخابات البلجيكية، أصبحت أمراً عادياً، من حيث ورودها، ولكنها لم تحظ حتى الآن بصوت فعال يمثل الصوت الحقيقي لهم.


ومع هذا كله تتزايد وعورة الطريق أمام داعمي حقوق المهاجرين أو الأجانب في بلجيكيا، إذ إن المؤشرات كافةً تتيح للسياسيين فرصة إطلاق «التصريحات الساخنة» بخصوص الهجرة، كما أنهم لم يجدوا حتى الآن اهتماماً حكومياً بتخصيص مراكز أو منصات دعم للاستقبال في المقرات الاجتماعية التي تعود لصالح المهاجرين، لتخفيف الضغط عن المنصة الوحيدة العاملة حالياً.&
فضلاً عن أن التصريحات الرسمية وتصاعد الأحداث يبقى نذير شؤم على الأجانب في بلجيكا، في ظل بروز التحديات الثلاثة، والتي يعتبر الحد من تدفق المهاجرين لحماية الثقافة على رأسها، إضافة لما يجده اليمين المتطرف، من دعم من عدة جهات تقف في وجه قضية الهجرة واللجوء، كزعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان، التي أشادت بـ«الدينامية» التي أظهرتها أحزاب اليمين المتطرف، عبر نتائج الانتخابات في بلجيكا، مصرحة بثقة، عن وجود تحول مقبل في التوازنات السياسية داخل البرلمان الأوروبي، خلال الانتخابات الأوروبية القادمة، لمقررة في مايو 2019، أو ما أسمته «الأحد المبشر» لأوروبا، وربما يعتبر حصول «البديل لألمانيا» على المرتبة الرابعة، في انتخابات مقاطعة بافاريا الألمانية، والمرتبة الثالثة بعد الحزب «الديمقراطي المسيحي» في الانتخابات الألمانية. ويبدو أن نتائج الانتخابات البلدية البلجيكية كانت سبباً لتفاؤلها العالي. فهل استحق تفاؤلها كل ذلك الحماس؟ وهل الحماس لحزب ما بعينه يعتبر مبرراً لتناسي مستقبل الديمقراطية في أوروبا؟ سيثبت لنا مايو القادم ذلك.

&

&