&إبراهيم النحاس

فبحسب النظرة الغربية ووسائل إعلامه فإنه يمكن غَض النَّظر عن قتل مئات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين في سورية إذا كانت الحسابات السياسية تأتي بعوائد ومنافع اقتصادية ومصالح تجارية واستثمارية

أهو شخصٌ مهم جداً على المستوى الدولي حتى يتصدر اسمه على مدى عدة أسابيع نشرات الأخبار الرئيسية، وتتصدر صورته مختلف الصحف الدولية، أم أنه توظيف لاسمه لتحقيق أهداف سياسية؟ أهو رمزٌ دولي أم شخصية عالمية ساهمت في نقل البشرية من مستوى إلى آخر، أو عمل على تقدم العلوم النظرية أو الطبيعية التي تخدم الإنسانية ليكون محل اهتمام المُجتمعات الغربية، أم أنه سعي لتوظيف قضيته للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية وأيديولوجية؟ أهو رئيس دولة رئيسية أم منظمة دولية أم مؤسسة عالمية ومُتمتِع بكامل الحصانة الدبلوماسية ليحظى بهذا الاهتمام الدولي في دوائر صنع القرار الغربي؟ أم أن قضيته تُوظف واسمه يُستخدم لتنفيذ المخططات العدائية التي لم تتحقق في العقود الماضية؟ إنه أمرٌ يدعو للتساؤل حول أهداف وأغراض هذا الاهتمام الغربي ووسائله الإعلامية التي انبرت للدفاع عن المواطن جمال خاشقجي (رحمه الله) وسخَّرت كامل طاقاتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية لتبني قضيته حتى أصبحنا نعتقد أن جميع القضايا الدولية الأخرى تم حلها وتسوية الخلافات حولها.

ومع إقرارنا جميعاً بأن استهداف أي شخص بالقتل، بِغَضِ النظر عن اسمه، أمرٌ يتناقض تماماً مع مبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف الذي حرَّم التعدي على النفس إلا بما شرع الله، كما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن التركيز الكبير والتغطية المُكثفة لمقتل المواطن جمال خاشقجي (رحمه الله) يثير أسئلة عميقة ومتعددة ويطرح افتراضات غير محدودة وفي عدة اتجاهات.

فإذا كان استنكار استهدافه كشخص بالقتل أمرٌ واجب على الجميع فعله، فإنه من الأولى استنكار استهداف الملايين من البشر بالقتل والاغتيالات والتعذيب والتهجير في شتى أنحاء العالم. فإذا ساء الدول الغربية ووسائل إعلامها مقتل شخص بطريقة أو بأخرى، فلماذا لم يُسئهم مقتل مئات الآلاف من البشر في سورية وتهجير الملايين على يد نظام حزب البعث بقيادة بشار الأسد الذي تربطه علاقات سياسية وطيدة مع معظم الدول الغربية؟ ولماذا لم يُسئهم مقتل مئات الآلاف من البشر في العراق، الذي تسبب المجتمع الغربي بتدميره وتفكيك مؤسساته الرسمية واحتلاله وسرقة خيراته؟ ولماذا لم يُسئهم المُمَارسات الوحشية والإبادة الجماعية والعُنصرية المَقيتة التي يتعرض لها الملايين من شعب بورما المُسلم على مدى السنوات الماضية؟ ولماذا لم يُسئهم دعم النظام السياسي الإيراني للجماعات المُتطرفة والتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التي تسببت في زعزعة استقرار بعض دول المنطقة وأدت لمقتل عشرات الآلاف من الأبرياء، واستخدمت المدنيين دروعاً بشرية واستغلت الأطفال أسوأ استغلال؟ فأين هو الغرب ووسائل إعلامه من هذه المآسي الإنسانية المُؤلمة والجرائم ضد الإنسانية، أم أن مصالح الدول الغربية الاقتصادية والتجارية والاستثمارية تتطلب غَض النَّظر عن هذه الجرائم للحصول على أكبر قدر من المكاسب والعوائد النفعية العينية والمالية. وإذا كان الغرب ووسائل إعلامه فعلاً مُهتمين بقضية خاشقجي كقضية حقوق إنسان، فإن حول العالم الملايين من أمثال خاشقجي الذين لم ينظر لهم الغرب ولم يحظوا باهتمام وسائل إعلامه، ولم يتم تبني قضاياهم الإنسانية والدفاع عن حقوقهم المشروعة!

فبحسب النظرة الغربية ووسائل إعلامه فإنه يمكن غَض النَّظر عن قتل مئات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين في سورية إذا كانت الحسابات السياسية تأتي بعوائد ومنافع اقتصادية ومصالح تجارية واستثمارية؛ ويمكن للغرب إسقاط الأنظمة السياسية واحتلال الدول وتدمير مؤسساتها وقتل شعبها إذا قررت تلك الدولة أن تعتز بنفسها، وتستقل بقرارها وتخطط لبناء مُستقبلها، وتسعى إلى تعزيز استقلالها الوطني؛ ويمكن للغرب التنازل عن جرائم الإبادة الجماعية والممارسات العُنصرية إذا لم تكن موجهة ضد أتباعهم في الدين أو العرق أو الأيديولوجيا. إنها إزدواجية المعايير الفاضحة التي تميز بها الغرب تجاه كل ما هو غير غربي.

إذاً إنه التوظيف السياسي الدنيء واللا أخلاقي لقضية مقتل مواطن من أجل استهداف المملكة كرمز للإسلام وتشويه صورتها النقية بشكل غير مسبوق. حملة سياسية وإعلامية غربية، مدعومة من بعض وسائل إعلام عربية، يمكن وصفها «بالهيستيريا» تُتَاجر بدم المواطن جمال خاشقجي من أجل النيل من مكانة المملكة الإقليمية والدولية. حملة سياسية وإعلامية في ظاهرها التعاطف الإنساني، ولكن في باطنها الرغبة في زعزعة استقرار المملكة وإضعاف مكانتها الدولية. حملة سياسية وإعلامية في ظاهرها الدفاع عن الحقوق ونُصرة المظلوم، ولكن غرضها الرئيس وهدفها الأساس إضعاف مركز الإسلام ومرجع المسلمين. حملة سياسية وإعلامية مسعورة ومُضللة ومُريبة استغلت دم مواطن، ووظفها أعداء الإسلام، وتاجر بها كل ساقط ووضيع، وتكسب من ورائها كل مُرتزق وعميل وخائن.

وفي الختام من الأهمية التأكيد أن المملكة التي استطاعت تجاوز كل المؤامرات والتحديات خلال تاريخها المديد، فإنها – بإذن الله تعالى – سوف تتجاوز هذه المؤامرة وستتغلب على هذه الحملات السياسية والإعلامية المُعادية والمُغرِضة بِحكمة قادتها ووفاء شعبها ووحدة صفها الداخلي. حملة سياسية وإعلامية مُضلِلة بيَّنت الصديق من العدو، وميَّزت المُخلِص من الخائِن، وأظهرت الأوفياء لوطنهم من أدوات الأعداء. حملة سياسية وإعلامية باطلة سوف تزيد المواطن حُباً وإخلاصاً لوطنه، ووعياً وإدراكاً بأهمية المحافظة عليه، ومعرفةً بأعداءِ دولته والحاقدين عليه.