& نجلاء حبريري

لا يعلو صوت هذه الأيام على صوت الانتخابات النصفية، وتستقبل اللافتات الانتخابية المسافرين في المطارات، وترافقهم أصوات المرشحين في سيارات الأجرة حتى مناطقهم السكنية، وتدق على أبوابهم أفواج من المتطوعين يحثّونهم على التصويت «قبل فوات الأوان».

كلها مظاهر اعتاد عليها الأميركيون مع حلول المواسم الانتخابية، لكن تعتريها هذه السنة أهمية بالغة لدى قسم كبير من الناخبين. أحد هؤلاء هو جاك مورفي، مقاول ستيني كان في طريق عودته إلى هيوستن بعد زيارة قصيرة لابنه البكر في لندن، وداعم كبير للرئيس دونالد ترمب. قال متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»: «كنا بحاجة إلى رئيس أميركي مختلف، وانتخاب ترمب جاء لهذا الغرض. لا أوافق على كل ما يقوله، لكنني أدعم سياسات الهجرة التي اعتمدها، ووعده بتخفيض الضرائب على الشركات المتوسطة بعد انتخابات الكونغرس». وتابع: «لا أريد أن يفوز الديمقراطيون في الانتخابات (التشريعية النصفية)، لأنهم سيسعون لعرقلة سياساته. يجب أن نمنحه فرصة».

مثل مورفي، ينظر الناخبون إلى الانتخابات المزمع عقدها الثلاثاء المقبل على أنها استفتاء على أداء الرئيس الأميركي وإدارته، في وقت تعاني البلاد من استقطاب سياسي حاد.

استقطاب حاد

تتحكم قضيتان أساسيتان في أصوات الناخبين اليوم، هما الاقتصاد والهجرة، تليهما قضايا محلية تتغير مع اختلاف الصناعات والديمغرافية السكانية. ويستغل الأميركيون فرصة الانتخابات النصفية لمعاقبة أو تزكية سياسات الحزب الحاكم على المستويين المحلي والوطني. فإذا كان الناخبون راضين على السياسات الوطنية ومؤيدين للرئيس والحزب المتولي السلطة، فلن تغيّر الانتخابات كثيرا من الوضع الراهن، باستثناء بعض المقاعد التي قد تكسبها «المعارضة» بعد فشل مرشح الأغلبية في الإقناع بأدائه المحلي. أما إن كان الناخبون مستائين من أداء رئيسهم وسياسات حزبه، فإن التنافس على مقاعد الشيوخ المطروحة للتصويت، ومقاعد النواب في عدة دوائر انتخابية يصبح أكثر شراسة، ويهدّد فرص التجديد لمرشحي الحزب الحاكم.

ويبدو الاحتمال الثاني هو الأرجح في ظل الانتخابات الحالية، وسط الانقسام الشديد الذي تشهده البلاد منذ تسلم دونالد ترمب الرئاسة. ويدرك كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري حجم الاستقطاب السياسي، ويعمل مرشحوهم على استغلال غضب القواعد الانتخابية وكسب أصوات الناخبين المترددين. ويبدو ذلك جليا في خطابات ترمب التي اعتمد فيها لهجة ترهيبية من عواقب الهجرة غير القانونية ودور الديمقراطيين في تشجيع الجريمة المرتبطة بها. فقد حذّر الرئيس الأميركي بشكل شبه يومي منذ أسابيع من «اجتياح قافلة المهاجرين» الأراضي الأميركية، وأرسل نحو 5 آلاف جندي إلى الحدود مع المكسيك. كما يظهر أسلوب الترهيب السياسي في خطابات بعض الديمقراطيين، الذين وجّهوا انتقادات لاذعة لسيد البيت الأبيض وداعميه بعد تلقي شخصيات ديمقراطية بارزة طرودا مفخخة الأسبوع الماضي.

استفتاء رئاسي

يستفيد مرشحو مجلس النواب وحكام الولايات، عادة من الطابع المحلي للانتخابات النصفية، إذ يركزون حملاتهم على قضايا يومية تشغل الناخب العادي في دوائرهم الانتخابية، تكون في غالب الأحيان مستقلة تماما عن السياسات الوطنية التي يسنّها البيت الأبيض. ويسمح ذلك للناخبين بالتصويت على مرشحهم وفقاً لبرنامجه الانتخابي وأدائه السابق في المنصب، أو استبداله، بمعزل عن توجهات حزبه الوطنية، عملا بمقولة رئيس مجلس النواب (1977 - 1987) توماس فيليبس أونيل: «السياسة كلها محلية».

إلا أن اللغة الحادة التي هيمنت على المشهدين السياسي والإعلامي خلال السنتين الماضيتين خلطت المحلي بالوطني في كثير من الدوائر الانتخابية، وارتقت بالانتخابات النصفية إلى «استفتاء» على أداء الرئيس ترمب. كما أن فشل عدة مرشحين جمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ ومناصب حكام الولايات في الفصل بين حملاتهم الانتخابية وسياسات الرئيس الأميركي، حوّل الانتخابات المحلية إلى اختبار على الاقتراع الرئاسي المقبل في عام 2020. فيما أحال الكثير منهم إلى «التقاعد المبكر» والتخلي عن مقاعدهم في الكونغرس، على غرار سيناتور ولاية أريزونا جيف فليك ورئيس مجلس النواب بول راين.

في المقابل، فضّل مرشحون جمهوريون تجاوز خلافاتهم مع الرئيس الأميركي واستفادوا من أسلوبه السياسي الشرس في تعزيز قواعدهم الانتخابية وتوسيعها. ومن أبرز هؤلاء، السيناتور الجمهوري تيد كروز عن ولاية تكساس الذي يتقدم على منافسه الديمقراطي بيتو أوروك بأكثر من 10 نقاط.

مقاعد حاسمة

يستعد الناخبون الأميركيون لتجديد مجلس النواب بجميع مقاعده الـ435، و35 مقعدا في مجلس الشيوخ، فضلا عن العشرات من حكام الولايات. ويُعدّ سباق مجلس النواب مسرحاً لمفاجآت محتملة، وأكثر تنافسا من مجلس الشيوخ الذي يتوقّع أن يحافظ الحزب الجمهوري على هيمنته فيه، وربما تعزيز غالبيته. ويتوقّع موقع «فايف ثيرتي إيت» المرجعي في الحسابات الانتخابية، أن فرص الديمقراطيين لاستعادة مجلس النواب تعادل 5 فرص من 6. فيما اعتبر «تقرير كوك السياسي» المستقل المختص في متابعة الانتخابات، في إحصاء جديد أمس، أن حزب الرئيس الأميركي السابق متقدم على الجمهوريين بـ11 نقطة. وكنتيجة مباشرة للاستقطاب السياسي الحالي، ارتفع عدد المقاعد التي تشهد تنافسا عاليا - ويصعب التنبؤ بنتائجها - إلى 70 مقعدا في مجلس النواب، بينها 14 مقعدا ديمقراطيا تميل إلى الجمهوريين، و25 مقعدا جمهوريا تميل إلى الديمقراطيين، و31 مقعدا شديد التنافس تشمل 5 دوائر انتخابية في كاليفورنيا، واثنان في فلوريدا، ومثلهما في نيويورك وتكساس فرجينيا، وفق تقرير كوك.

أما في مجلس الشيوخ، فإن المعركة تبدو محسومة لصالح الجمهوريين، خاصة بعد نجاحهم في المصادقة على ترشيح القاضي بريت كافانو في المحكمة العليا. ووفق توقعات موقع «فايف ثيرتي إيت»، فإن فرص الديمقراطيين للحفاظ على مقاعدهم والسيطرة على مقعدين جمهوريين من بين الـ9 المطروحة للتصويت متدنية للغاية، وتعادل فرصة واحدة فقط من خمس.