فهد الدغيثر&&

اطمئنوا يا أبناء المملكة، فبلادنا قوية غنية مستقلة متماسكة، يقودها رجال ذوو عزيمة وهمة، وفوق كل ذلك إيمان بالله عز وجل. بلادنا لا يطاردها الدائنون ولا تتوسل أحداً لشراء ثرواتها، ولا تتلاعب بالأسعار العالمية للطاقة. السعودية ومنذ تأسيسها كانت وما زالت الدولة المبادرة في رفع الظلم عن الضعفاء ودعم المتضررين من الكوارث الطبيعية بالمال والمأوى، بصرف النظر عن أعراقهم ودياناتهم. بالأمس القريب تعلن المملكة شطبها ديون عدد من الدول يجاوز إجمالها ستة بليونات دولار أميركي من دون أن يطلب أحد منها فعل ذلك.


غير أن قوة المملكة اليوم لم تعد النفط فقط بعد أن ارتفع عدد سكانها عن الـ20 مليون نسمة، جلهم من الشباب الوثاب المتطلع، قوتها تتحول تدريجاً إلى قوة بشرية متعلمة عاملة في النهضة التي تعيشها المملكة. ليس ذلك فقط، بل وأثبت هؤلاء في كل موقف عن تمسكهم الراسخ بالوحدة وتطلعهم للبناء والقوة والشموخ.

ارتفعت -كما نعلم- الأصوات النائحة بعد حادثة القنصلية السعودية في إسطنبول، ولم تسقط حجارة واحدة من طويق. ليس الغريب ما شاهدناه في الأيام القليلة الماضية من توحد جميع الأقزام ضد المملكة، بل تطلعهم إلى الولايات المتحدة ودول الغرب للنيل منا ومن قادتنا ورموزنا. لدينا حالة عجيبة لا يجب أن تغيب عن فطنة المتابع، أليس هؤلاء هم أنفسهم من كانوا لما يزيد عن ٤٠ عاماً يطعنون في بلادنا ويتهمونها بالتبعية والخيانة والموالاة لأميركا وأوروبا، نصف قرن من التعبئة ضد المملكة بسبب علاقاتها الدولية، واليوم هم أول من يذهب إلى أميركا وأوروبا ويرتمي في أحضان المنظمات المشبوهة ويحصل على السكن والإقامة مقابل النيل من بلداننا، بل إن بعضهم وصل إلى صناع القرارات هناك وأصبح يمارس الخيانة بعقود عمل تضمن حصوله على المال كمقابل. من الخائن الحقيقي إذاً، ومن هو العميل المتآمر التابع والألعوبة في يد أميركا وأوروبا؟

لا يمكن بالطبع إغفال الجانب التركي والذي يرى في هذه الحادثة المؤسفة فرصة لحصد بعض المكتسبات السياسية والاقتصادية. على أن هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد بالطبع وتناولته أخيراً العديد من الصحف الغربية وحذرت تركيا من فشله، إذ أشارت صحيفة «بوليتيكو» الشهيرة على لسان الكاتب زيا وايز أن «سياسة أردوغان في تسييس قضية خاشقجي، بغرض ممارسة الضغوط على المملكة، ستؤدي حتماً إلى نتائج عكسية»، وأضاف إن «مكتب أردوغان يسيطر على مؤسسات الدولة الإعلامية والأمنية في شكل مباشر، وبالتالي فإن الرئيس هو شخصياً من أمر بإحداث تسريبات تفصيلية حول التحقيق غالبيتها عارية عن الصحة، تحت مسمى مصادر تركية مجهولة، بغرض تعبئة الإعلام الدولي ضد الرياض». وأشارت الصحيفة الأميركية كذلك إلى أن «أردوغان حول قضية خاشقجي إلى ورقة سياسية من أجل استخدامها في تنافس إقليمي على النفوذ بما يصب في صالح محور تركيا– قطر– إيران»، وأردفت الصحيفة بالقول إن «من يتابع الأحداث عن كثب سيدرك جيداً أن هدف أردوغان هو الأمير محمد بن سلمان، لكن ذلك لن يحدث».

الواقع أن هذا ليس هدف تركيا فقط، بل هو هدف لإيران أيضاً، وبالطبع للتنظيم المتآمر في الدوحة، والأخير هو السبب وراء الهيستيريا التي أصابت العاملين المأجورين في القناة «المهنية».

مع كل ذلك فالمملكة بخير وتنمو وهي مستمرة في تنفيذ برامجها الواعدة التي تهدف لتأسيس اقتصاد متنوع الدخل وتوظيف الآلاف من أبنائها وبناتها، أولى هذه البشائر هو توقع انخفاض العجز في الميزانية المقبلة إلى ما يقارب ١٩٥ بليون ريال فقط هبوطاً من ٢٣٠ بليون في العام الماضي، مع وجود الميزانية الأضخم في تاريخ المملكة.

المواطن السعودي وقف بصلابة ضد كل الحملات التي تمت إدارتها بعناية بواسطة الأشقاء والأعداء للنيل من وحدة البلاد. بل أن المهمة، عطفاً على حديث ولي العهد في مؤتمر مبادرة المستقبل الذي انعقد في الرياض أخيراً، تتحول تدريجاً لبناء الشرق الأوسط وليس المملكة فقط. لذا، فالقيادة السعودية لم تعد تكتسب آمال وتطلعات السعوديين فقط، بل العرب بأجمعهم.

سياسياً المملكة ودول التحالف أفشلت مخطط إيران في اليمن، ودفعت بعض العملاء للهروب من الميليشيا الحوثية والنجاة بنفسه، والمؤكد أن دول مقاطعة قطر اتخذت الإجراءات المناسبة لإفشال مخطط الحمدين الذي ينفق أمواله اليوم في كل اتجاه بحثاً عن التخريب والفوضى، كما صرّحا به في التسجيلات المنتشرة، والأكيد أن السعودية ستبقى حامية الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين والحضن الدافئ للضعفاء حول المعمورة بلا منة ولا شروط. هذه بعض الحقائق على الأرض أما الزبد فيذهب جفاء.

من هنا، لا يجب الانزلاق إلى وحول الشامتين التافهين ممن يتم استئجارهم لبعثرة أولوياتنا. نعم، ندافع عندما يأتي رأي أو اتهام قد يستحق الرد، أما غير هذا فخير الردود التجاهل والتحقير ومنح الحرية الكاملة لسير القافلة.