& تركي الدخيل

&تاريخ الحروب بين المسلمين، والمسيحيين، واليهود يملأ الكتب... حسناً هل يعني هذا التاريخ من الحروب والصراعات تثبيت التاريخ على القرن الثالث عشر الميلادي، حيث بلغت الحروب ذروتها، وأجرم كل طرفٍ بالآخر؟!??أم تغطي المشتركات الإنسانية، ولغة الحكمة، وأساليب الحوار، وأسس التسامح ذلك الإرث الثقيل؟! وبخاصةٍ أن التلاقي بين البشر أصبح واقعاً، والصداقات بين الأفراد بمختلف الأديان عززته الصيغ الاقتصادية، وأسواق العمل، ونشوء أجيالٍ لم تغرق بالذكريات المريرة، ينغمس المبتعثون في بيوت المسيحيين، ويغشى المسيحيون المدن والصروح، بين الأفراد لا توجد لغة كراهية كما الحال بين القيادات والكيانات، لذلك جاء إعلان دولة الإمارات عن استقبالها البابا فرانسيس في فبراير المقبل، الزيارة الفريدة من نوعها بتاريخ الخليج.


??قبل يومين زار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، مصر لتسليم الشيخ أحمد الطيب دعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، لزيارة الإمارات والإسهام بالمؤتمر العالمي «حوار قادة الأديان من أجل الأخوّة الإنسانية»، والذي سيحضره البابا، وتحدث الطيب عن نموذج التسامح الإماراتي بوصفه مما يجب احتذاؤه بالمنطقة. ??وفي أبوظبي أيضاً، وبالتوازي مع إعلان الزيارة المرتقبة، طرح منتدى تعزيز السلم خطاباً مختلفاً، تحت عنوان: «حلف الفضول- فرصة للسلم العالمي»، افتتحه سمو الشيخ عبدالله بن زايد، وحضره أكثر من ثمانمائة ممثلٍ عن الأديان ممثلين عن منظمات إنسانية، وأخرى حقوقية دولية، تحدث فيه أمين عام رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، مؤكداً بكلمته أن القيم الإسلامية حفظت للجميع الحقوق والحريات المشروعة، ولم تكن تلك منّة من البشر على البشر، بل رحمة من الله، وبيّن العيسى أن الإسلام لا يقبل المساس بمعيار العدل مع الجميع، وفصل بين الممارسات، التي يقوم بها البعض وبين انتماءاتهم الدينية، لأن الإسلام شمل الأقليات الدينية في المجتمع الأول من خلال حفظ حقوق الديانات عبر دستورٍ معروف باسم «وثيقة المدينة»، فالإسلام يتفهم وجود كافة الأديان، بوصفها سنة كونية حتمية يجب الإيمان بها، حيث الاختلاف والتنوع من طبيعة البشر، وقد نص القرآن صراحةٍ على الديانتين المسيحية واليهودية.??
كذلك الأمر لدى الشيخ عبدالله بن بيه، بخطابه النوعي والمتجدد والجامع بين التأصيل الفقهي، والوعي بالعصر ومقتضياته، مما انعكس على البيان الختامي الداعي، لإقامة «حلف فضول» جديد يتضمن صناعة جبهة من العلماء ورجال الدين، للدعوة إلى السلام ورفض استغلال الدين في النزاعات والحروب وتزكية العقود المجتمعية، وتأصيل المواطنة الإيجابية، واحترام جميع المقدسات الدينية، وتزكية المعاهدات الدولية.??


واختيار اسم وثيقة «حلف الفضول» المبرم بين القُرشيين بعد الحروب الطاحنة له دلالته، لأن الحوار بين الأديان وترسيخ التسامح بين أبنائها، يخدم العالم بأكمله وينجيه من المجازر والحروب الأهلية، والنزاعات العبثية.?? لا معنى للهواجس، أو الشعور بالتآمر أثناء الحوار، مثلاً الباحث «عز الدين عناية»، بكتابه المهم: «نحن والمسيحية في العالم العربي»، ورغم معلومات تاريخية ثرية، فإن التحليل التآمري للحوار بين المسيحيين والمسلمين بدا في مضامينه بشكلٍ لا يخدم مشروع تعزيز السلم بين المجتمعات... ذكر في فقرة خصصها للحديث عن تعثر الحوار بين الكنيسة الغربية مع الإسلام: ?«لقد انطلق حوار الكنيسة مع الإسلام بشكلٍ مكثف منذ ستينيات القرن الماضي في وقت كان في العالم الإسلامي مشغولاً بتثبيت قدميه، بعد ليل من استعمارٍ بغيض، وكانت أثناءها قدرات العالم الإسلامي، المعرفية والعلمية متواضعة جداً، ولا تسمح له بمشاركةٍ فعالة في صياغة فلسفة الحوار، الذي بادرت الكنيسة الكاثوليكية به بعد تسريحها من عقالها بعد المجمع الفاتيكاني الشهير (1962-1965) لذلك لايزال الحوار في المنظور الإسلامي في بداياته، من حيث تعريفه وأشكال ممارساته وأدواته، مما أبقى تفعيله غائباً من حيث أغراضه، وجعل الكنيسة متفوقةً في جني ثماره، فهو لديها فعل براغماتي، مندرج في (مخطط تبشيري)»!.
??ويمكن للمسيحيين الحديث عن براغماتية مدعاة بالمؤتمرات التي ترعاها السعودية والإمارات لحوارات الأديان والتسامح، واعتبارهم إياها خطوات لنشر الدعوة واستغلال هذه الفعاليات لدغدغة مشاعر المسيحيين بغية خروجهم عن دينهم، وهذه الهواجس لا تليق بالنخب الفاعلة بالمجال العام المنتظر منها بذل الجهود النظرية لتخفيف الممانعة الشعبوية ضد الآخر المختلف في الدين! ??
ميدان الحوار لابد من بقائه على الحياد، خارج هيمنة أي طرف، وليس من حق أي من المتحاورين التلويح بالحقائق ضد الآخر، هذا لا ينتج فهماً، بل التلاقي عند نقاطٍ مشتركة على الطريق بين كل الأطراف هدف أساسي للحوارات بين المختلفين، ولذلك سعت الإمارات لوضع توازن بين أسماء الحاضرين وتشكيلاتهم من شتى الطوائف والأديان. ??لغة الحوار تتعالى على التاريخ، وتنزع الذوات من الخطط التآمرية، ولا يمكن لحوار النجاح إذا أصابته آفتان، البحث عن الغلبة والهيمنة، أو التوجس من الآخر والريبة منه، ونجاة النخب من هاتين مدخل لأي تفاهم رصين، وتحاور علمي متين! ??ولمونتسكيو في كتابه «روح الشرائع» عبارة تقول: «إذا رأت قوانين دولةٍ معاناةَ أديانٍ كثيرة وجبَ عليها أن تلزم هذه الأديان بالتسامح نحو بعضها بعضاً، ومن المفيد أن تطلب القوانين من هذه الأديان المختلفة ألا يكدر بعضها صفو بعض فضلاً عن عدم تكدير صفو الدولة».&