&خالد أحمد الطراح&

لا يمكن عد الدروس المستخلصة من مسيرة حافلة بالانجازات والعطاء بلا منّة لصاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز الذي توفاه العلي القدير يوم السبت الموافق 22 ديسمبر 2018، فقد كانت رحلته في الحياة طويلة منذ شبابه، حيث تمكن خلالها من تحويل احلامه وتطلعاته الى حقيقة استفادت منها شعوب خليجية وعربية وأجنبية، فقد وزع اهتماماته بضمير وحس صادقين على ميادين مختلفة في الثقافة والعلوم والتعليم والإنماء لم تغفل احتياجات الطفل أو الأسرة أو المجتمع على مختلف المستويات.
تعرفت على- المرحوم بإذن الله تعالى- الأمير طلال بن عبدالعزيز من خلال لقاءات جمعتني به مع عدد من الأصدقاء في الكويت قبل عام 2007، خصوصاً اللقاء الذي تم بناء على دعوة كريمة للعشاء من الاخ النائب السابق محمد جاسم الصقر في منزله على شرف المرحوم صاحب المنزلة الكبيرة في النفوس والعقول.


كان الحوار متنوعاً ومتشعباً لكن تركَّز معظمه على الجانب السياسي وتحديداً ما يتصل بالديموقراطية في الكويت وطبيعة العلاقة بين السلطة التشريعية (البرلمان) مع السلطة التنفيذية خلال تلك الفترة، حيث اراد الاستماع من الحضور لجميع الآراء بدقة وتركيز ملحوظ.
بعد مداخلات متنوعة وتعليقات من الحضور حول النظام الديموقراطي الدستوري في الكويت، تحدث المرحوم الامير طلال بن عبدالعزيز عن حرصه الشديد على متابعة ما يجري في الكويت على المستوى البرلماني، مستعرضاً إعجابه وتقديره للأجواء الانتخابية والممارسة الديموقراطية التي تتميز بها الكويت دون غيرها بين دول مجلس التعاون الخليجي بوجهٍ خاصٍ.
وأعرب المرحوم الأمير طلال عن تمنياته أن يكون النظام الديموقراطي الكويتي نموذجاً يحتذى في المنطقتين الخليجية والعربية، وأن يمهد الزمان لتصدير النموذج السياسي الكويتي.
وزار في اليوم الثاني مجلس الامة، حيث حضر جلسة ساخنة للمجلس بدعوة من نائب رئيس المجلس آنذاك الأخ الفاضل مشاري العنجري الذي حرص مع بعض من الإخوة النواب ايضا على حضور الامير طلال، وقد كان لي الشرف بمرافقته في الرحلة من فندق شيراتون الكويت إلى مقر مجلس الأمة، وقد كانت الرحلة رغم قصرها مشوقة بالاستماع لآراء ووجهات نظر شخصية ذات تاريخ سياسي وثقافي.


دون تخطيط مسبق، وجدت نفسي في عام 2011 منضماً الى اسرة المقر الرئيسي للجامعة العربية المفتوحة بعد ان تم اختياري لوظيفة مدير ادارة الاعلام والعلاقات الثقافية وقد تعرفت بعدها على الرؤية العميقة التي احتضنها الامير الراحل طلال بن عبدالعزيز التي تمثلت باهتمام ودعم لا محدودين لتصدير مسيرة تعليمية جديدة بنموذجها الى العالم العربي من الكويت تحديداً بسبب طبيعة مناخها الثقافي والسياسي، كما بدا لي من أحاديثه.
كان حينها مهتماً دقيقاً وحريصاً على متابعة كل الأمور المتصلة بتطور خطط الجامعة العربية المفتوحة منذ نشأتها وتعزيز التعاون مع الجامعة المفتوحة في بريطانيا وتأمين خطة التوسع للجامعة العربية المفتوحة في البلدان العربية كمصر والأردن ولبنان والبحرين والسعودية ايضاً، وهي نتيجة حتمية لشخصية نذرت نفسها لمجالات إنسانية وثقافية إلى جانب دعم تأسيس برنامج الخليج لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية بمبادرة شخصية منه الى جانب العديد من المبادرات الثرية ذات الأبعاد الثلاثة الثقافي والتعليمي والاجتماعي.
رحم الله الامير طلال بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته، وخالص العزاء لأسرته الكريمة ولنا جميعاً، فقد انتقل الامير طلال الى جوار ربه تاركاً منزلة كبيرة مغروسة في الوجدان وذاكرة التاريخ.

&