مهيار كاثم
تبدو العلاقات العراقية السعودية الآن أكثر دفئا مما كانت عليه منذ ثلاثة عقود. ويعزى ذلك جزئيا للمحاولات السياسية الأميركية في العراق. ويشكل الذوبان الأخير لهذه العلاقات تغييرا رئيسيا في السياسة العامة، حيث ترى الولايات المتحدة وكذلك المملكة العربية السعودية ضرورة وجود عراق قوي لمواجهة توسّع إيران، وإضفاء مظهر من الاستقرار على المنطقة المعرَّضة للصراع.
تعتمد سياسة أميركا تجاه العراق بشكل كبير على إقامة شراكة سعودية - عراقية قوية، ويتوخى نهج أميركا الجديد توثيق الأمن والتعاون الاقتصادي بين العراق وجيرانه الخليجيين، والعمل معا لمكافحة أنشطة الطائفية المدمرة التي كانت تمارس في السنوات القليلة الماضية. وقد استفاد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من هذا التغيير، مما أتاح له فرصة للحصول على دعم إقليمي لتلبية احتياجات بلاده العاجلة لإعادة البناء.
وبالنسبة للعراق الذي مزقته الحرب فإن مشاركة المملكة العربية السعودية تبشّر بالخير. ويعتقد الزعماء العراقيون أن هذه العلاقة يمكن أن تؤدي إلى المساعدات التي تمس الحاجة إليها لإعادة بناء المقاطعات التي دمرتها الحرب، وإلى استقرار المناطق التي يهيمن عليها السُّنة في البلاد. وقد تشارك السعودية من جانبها بعض هذه الأهداف، لكن رؤيتها على المدى الطويل هي تحويل السياسة العراقية بشكل أساسي بعيدا عن سيطرة إيران.
وإذا ركَّز التقارب على شراكة طويلة الأمد، بدلا من مجرد العلاقات الدبلوماسية، فإن علاقة جديدة بين السعودية والعراق يمكن أن تحول المنطقة جذريا. ويُمكن للعلاقات المتجددة أن تعزز رخاء البلدين وتساعد على تقريب العراق من الصف العربي بهدف بناء بيئة أمنية واقتصادية جديدة في العراق والخليج الشمالي. وأي تغيير حقيقي للنوع المتوخى في هذه العلاقة الجديدة سيعود بالنفع على العراقيين العاديين، وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال دعم جهود إعادة بناء العراق وقطاع المجتمع المدني.
وقد تجمَّعت مؤخرا عدة عوامل لجعل المملكة تُعيد النظر في علاقتها مع العراق. ومن بين العوامل الرئيسية في التقارب هزيمة تنظيم داعش، وفشل الاستفتاء الكردي في إقامة دولة مستقلة، واحتياجات إعادة الإعمار في العراق - وهي فرصة لإعادة بناء العراق بطرق من شأنها أن تساعد على تحويل ميزان القوى بعيدا عن إيران، كما كان الاستعداد السياسي نيابة عن حكومة العبادي سببا مهما لهذا الذوبان.
وفي الأشهر الأخيرة شهد افتتاح السفارة السعودية في بغداد وقنصلية في النجف، وإعادة تأهيل معبر عرعر الحدودي، وبدء رحلات منتظمة بين البلدين، وجميع هذه الحالات تعد الأولى منذ عام 1990. وكانت مشاركة المملكة العربية السعودية مؤخرا في معرض بغداد الدولي الذي شهد مشاركة 60 شركة سعودية، علامة ترحيب أيضا على تحسُّن العلاقة. وسيُشكل المؤتمر الدولي للمانحين والاستثمار الذي سيعقد في الكويت هذا الشهر معلما رئيسيا في تحسين العلاقات بين العراق وجيرانه في المنطقة العربية الخليجية.
ويذكر أن الأمن وإعادة الإعمار يتصدران جدول أعمال المجلس التنسيقي السعودي - العراقي الجديد الذي افتتح العام الماضي في الرياض، ويهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين. وتهدف الشراكات في إطار هذه الخطة إلى تحسين التعاون في مجال التبادل الطلابي والثقافي والاستثمار في النفط والغاز والتجارة والصادرات الزراعية.
* باحث مشارك في كلية لندن الجامعية
مجلة (وور أون ذي روك) الأميركية
التعليقات