محمد بن يحيى الفال

 

من الملاحظ ومنذ الأيام الأولى من الأزمة الخليجية بين دول المقاطعة ودولة قطر، قيام قناة الجزيرة القطرية بهجمة إعلامية شرسة وممنهجة وغير مسبوقة ضد دول المقاطعة، خصت المملكة بالنصيب الأكبر منها، بما تضمنته من كم هائل من التُرهات والأكاذيب والتي أصبحت لا تخلو منها وبشكل يومي معظم نشراتها الإخبارية وبقية برامجها الحوارية.

أثبتت الأزمة الخليجية وبشكل عملي وقابل للقياس بأن الحيادية والموضوعية التي تدعيها قناة الجزيرة القطرية ليست إلا وهماً كاذباً انكسر مع أول تجربة حقيقية واجهتها ووضعت موضوعيتها على المحك، ولتكشف زيف وبهتان ادعاءاتها جملةً وتفصيلاً. ولنشر الأكاذيب عن المملكة ولتضليل الرأي العام العربي والعالمي انتهجت قناة الجزيرة القطرية منهجية نرى بوضوح جذورها وأدبياتها في كل من نظرية التأطير (Framing Theory)، وتكتيكات جوزيف غوبلز وزير الدعاية خلال الحقبة النازية في ألمانيا.

نظرية التأطير وهي من النظريات التي تخصصت في دراسة تأثير وسائل الإعلام على الناس وقدرتها على تشكيل الرأي العام، وتُعرف بأنها الطريقة التي تقوم بها وسائل الإعلام على تقديم قضية ما للرأي العام، وتغطيتها بطريقة تُشابه الإطار المستخدم في بروزة الصور واللوحات الفنية، وذلك من خلال وضع القضية المطروحة للنقاش في إطار مُعد سلفاً لا يحيد النقاش عنه، وذلك لتمرير رسائل سلبية ومغلوطة وعارية من الصحة ولتؤثر في طريقة فهم المُتلقي لمعلومات القضية التي وضعت للنقاش في مساحة معينة تشابه الإطار وبما يخدم أهداف الجهة الإعلامية التي تُثيرها، وهي هنا قناة الجزيرة القطرية.

وفيما يخص تكتيكات جوزيف غوبلز وزير الدعاية إبان الحكم النازي لألمانيا والتي تنتهجها قناة الجزيرة القطرية فنراها في السعي الدءوب باختلاق الأكاذيب وبثها مراراً وتكراراً وبلا كلل أو ملل حتى تصبح حقائق عند الناس. وإن كانت تكتيكات غوبلز في نشر الدعاية الكاذبة هو أمر أصبح ديدن قناة الجزيرة القطرية وأضحى معروفاً وواضحاً لقطاع كبير من الرأي العام وخصوصاً المتعلمين، ولم يعد ينطلي إلا على قطاع الأميين في العالم العربي الذين يشكلون نسبة كبيرة ممن توجه لهم هذه الأكاذيب، وعليه فإنها منذ الأزمة الخليجية ولكسب شريحة المتعلمين والمثقفين في العالم العربي أضحت تبث نشرات أخبارها وبرامجها الحوارية باستخدام نظرية التأطير التي تعطيها مساحة أكبر للمناورة غير المباشرة لنشر الأكاذيب، وذلك من خلال ضيوفها الذين يظهرون على شاشتها.

ومن أجل تمرير أكاذيبها من خلال نظرية التأطير فإن ضيوف قناة الجزيرة القطرية لا يخلون عن ثلاثة أصناف، الصنف الأول، هو من الذين يتم الدفع لهم ليبقوا في الإطار المرسوم لهم وهم الفئة السائدة التي يتم استضافتها على شاشة القناة باستمرار، والذين استمرأت قلوبهم وعقولهم الكذب لتحقيق منافعهم الشخصية، وكلما زادت الأموال الممنوحة لهم، زاد معها كم الأكاذيب والتُرهات التي يطلقونها خلال اللقاءات معهم على شاشة قناة الجزيرة القطرية.

والصنف الثاني هو الصنف الذي تنطلي عليه عملية التأطير ونجدهم ينقادون وبدون معرفة أو إدراك منهم إلى ترديد ما تريد القناة الوصول إليه من نشر للأباطيل، ونرى إعلاميي القناة يحاصرون هذا الصنف من الضيوف بالمقاطعات المتكررة وغير المبررة عندما يخرجون عن الإطار المعد سلفاً للقضية أو الموضوع محل النقاش.

الصنف الثالث والأخير، هو نوعية الضيوف الأذكياء وهم القلة الذين يفطنون بأن النقاشات التي تستضيفهم خلالها قناة الجزيرة القطرية هدفها الخروج منها بإقناع المُتلقين بوجهة نظر القناة نحو ما يثار من نقاشات، وهذه الفئة هي الأصعب للمحاورة معهم من قبل إعلاميي القناة، وترى إعلاميي القناة يحاولون تشتيت أفكارهم ليخرج المُتلقي وفي أحسن الحالات بصورة مشوشة لموضوع النقاش تصب في مصلحة أهداف القناة في النهاية.

الأزمة الخليجية كانت من أوضح وأنصع إيجابياتها هي تعرية قناة الجزيرة القطرية في محيطها الخليجي بشكل خاص ومحيطها العربي بشكل عام، فالقناة التي ساعدت في ضخ كم مهول من التغطيات لما يسمي بالربيع العربي، والذي كانت نتيجته الخراب والدمار ومقتل مئات الآلاف من العرب وتشريد الملايين منهم، سكتت صماء عن انتفاضة الشعب الإيراني ضد قمع وقهر دولة الملالي، وكانت جُل تغطياتها لها محابية وفي الخندق المؤيد والمؤازر لنظام الملالي الكهنوتي. عندما كان الأمر متعلقاً بنظام الملالي رأينا قناة الجزيرة تتحول إلى أرنب مُسالم ووجهت نيرانها التي ارتدت عليها إلى أشقائها في محيطها العربي الخليجي وأضحت مستعينة بنظرية التأطير وبتكتيكات غوبلز، تنشر ليل نهار أكاذيب وأباطيل عن القضية الفلسطينية والقدس الشريف وموقف المملكة منها وما يُسمى بصفقة العصر، وتُرهات ممجوجة عن الحرب في اليمن وعن مزاعم عن وجود صراع بين المملكة والإمارات حول السيطرة عليه، وتزييف متعمد ومفضوح بتغطيتها عن حملة المملكة لمكافحة الفساد.

ولما تشكله مواقع التواصل الاجتماعي من أهمية في تشكيل آراء الرأي العام نحو مختلف القضايا وخصوصاً من قبل فئة الشباب فقد استحدثت القناة نشرة مسائية مؤطرة هي الأخرى من ألفها إلى يائها، أسمتها «نشرتكم»، هدفها الواضح التحريش والإثارة، ولا تكاد تخلو نشرة منها من هاشتاق (وسم) أو خبر عن المملكة، في سعي واضح نحو نشر الأكاذيب لتقويض السلم الاجتماعي.

في بداية الأزمة الخليجية أدعت قناة الجزيرة القطرية بأن دول المقاطعة ضغطت على السلطات الإسرائيلية لإغلاق مكاتبها هناك، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن وبعد مرور أشهر على ادعاءاتها الكاذبة، والغرابة بأن الكل من المحيط إلى الخليج يعرف بأن قناة الجزيرة القطرية ومنذ انطلاق بثها في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم هي من سنت سنة سيئة لم تسبقها إليها أي وسيلة إعلامية عربية من قبل، وهي الاستضافة الدائمة للشخصيات والمسؤولين الإسرائيليين على شاشتها، ويزداد العجب عندما نرى أنها تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما تقوم وسيلة إعلامية عربية لا تمثل سوى نفسها بإجراء لقاء صحفي مع مسؤول إسرائيلي، في مؤشر جلي يؤكد بأنها عينت نفسها وكيلاً حصرياً للتطبيع الإعلامي المجاني مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين التي تدعي كذباً وصلاً بهم وبمعاناتهم من الاحتلال الجاثم على صدورهم لأكثر من ستة عقود.