خالد الطراح
يحلو للحكومة أحياناً الإبحار نحو سياسة ردود الأفعال، وهو أمر ليس بغريب على نهج حكومي يعتمد في الغالب على الانقياد للشارع وليس قيادته، ربما لأن الانقياد يبعد الحكومة عن المسؤولية والمساءلة، وهي أيضًا متعة في الجلوس في المقاعد الخلفية حين تتناوب على المسؤولية طوائف وشرائح اجتماعية وسياسية مختلفة ليست ذات صفة رسمية، حتى لا تصبح الحكومة مسؤولة عن أي انحراف أو تهور لدى من أوكلت إليهم المسؤولية!
مبادئ التآخي برزت منذ نشأة الكويت وترسخت هذه الأسس في المجتمع الكويتي في علاقاته الداخلية والخارجية بضوابط تعارف عليها الشعب، وبتوافق مع الجهات الرسمية لسبب بسيط أن العمل الخيري منذ نشأته لم ينحرف عن مساره إلا في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد بروز تنظيمات إرهابية تمولها وتغذيها بعض الجمعيات الخيرية ماديا وجسديا وذهنيا أيضا!
مشروع قانون العمل الخيري الذي تبنته الحكومة بشكل سريع ومفاجئ بعد ما أثير إعلاميا أخيرا عن تساؤلات مشروعة حول مصادر أرصدة بعض الجمعيات الخيرية، تزامنا مع انعقاد مؤتمر إعمار العراق!
عقوبة مغلظة تصل إلى السجن تضمنها المشروع، وهو ما وجده البعض، وكذلك الجهات الحكومية تنظيما للعمل الخيري، بينما في الواقع هو مشروع يثير الريبة والشبهة، لا سيما إذا ما تم الرجوع إلى التجاوزات المالية والتبرعات غير القانونية التي تم رصدها بشكل رسمي محليًا، وجرت إحالة بعض الجمعيات، منها غير المرخص إلى النيابة العامة دون أن تفصح الحكومة عن قيمة أرصدة هذه الجهات، سواء في الكويت أو خارجها، وطبيعة الجهات المستفيدة، وتحديدًا إذا ما كان من بينها تنظيمات حزبية مشبوهة أو على قائمة الإرهاب الدولية.
تبنت الحكومة باندفاع المشروع بالتعاون مع جمعيات خيرية، وليس جميع مؤسسات المجتمع، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة:
لماذا وافقت الحكومة على المشروع مع عقوبة السجن لمن «يفشي سرًا عن المؤسسة أو الجمعية الخيرية»؟ خصوصًا أن هناك قوانين جزائية تحظر ممارسة أو تمويل أي نشاط يهدد أو يقوض أمن الدولة، وهذا لا يستثني الجهات والأفراد الذين يمارسون أنشطة مشبوهة ولها علاقات مع تنظيمات إرهابية، لا سيما في ظل معلومات دولية عن جهات وأفراد من مواطنين ومقيمين أيضًا تم إدراج أسمائهم على قوائم الإرهاب!
وهل تقديم بلاغات تمسُّ المال العامة إفشاء للسرية؟
إذا جاز كل ذلك فالمعنى أننا أمام تصادم محتمل في التشريعات بمباركة رسمية كما حدث في الإبطال الدستوري لبعض المراسيم التي أقرتها أساسًا الحكومة!
أستبعد معارضة الجمعيات الخيرية ذات التاريخ العريق والأبيض للشفافية، لكن انقياد الحكومة وراء مشاريع قوانين لحماية بعض الجهات من الإفصاح للجهات الرقابية والشعب ككل، ومؤسسات المجتمع، هو ترجمة فعلية لسياسة غير رشيدة تقوم على ردود الفعل والانقياد للصوت الأعلى، وفي كل الأحوال الصوت العالي دليل على الضعف وليس القوة.
هناك قضايا إرهابية أشعلت نار الفتنة في المجتمع، وهذا المشروع لا يخدم الوحدة الوطنية، فضلاً عن كونه لا يتماشى مع قوانين دولية، لا سيما أن الهدف منه ربما حماية بعض الجهات والأفراد من خارج الكويت وداخلها؟
هل الحكومة على استعداد لمقاضاة الإعلام الأجنبي أو أجهزة رقابية دولية ودول صديقة أيضًا إذا ما جرى الكشف عن خفايا بعض الأفراد والجهات التي تتستر تحت عباءة العمل الخيري في الكويت وهو ما حصل فعليا أخيرًا؟
هل انتهت الحكومة من جميع الأولويات الملحة؟.
التعليقات