حمد الماجد
بالأمس اكتست العاصمة النمساوية الساحرة برداء الثلج، وهبت عليها رياح زمهريرية أوصلت درجة الحرارة إلى ما دون 13 درجة تحت الصفر، ولم يُلطِّف هذا الجو الصقيعي البارد إلا نسائم المداولات الحوارية الدافئة بين ممثلي الديانات والثقافات العالمية التي استضافها مركز الملك عبد الله العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات في مؤتمر كانت لافتته المرفوعة «الحوار بين الأديان من أجل السَّلام: تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة».
أنا أعرف أن كثيراً ممن يقرأ مقدمة المقال عن هذه المؤتمرات التعايشية والمراكز الحوارية بين أتباع الملل والنحل سيقول: وما ثمرة إنشاء مثل هذه المراكز الحوارية؟ وما جدوى تنظيم المؤتمرات التعايشية، والعالم ينزف من الصراعات الدينية والنزاعات الطائفية؟ وما بالنا نعايش تناسباً طردياً في هذا الشأن، فعدد المراكز الحوارية في ازدياد، والمؤتمرات التعايشية في صعود، وفي المقابل تتصاعد العمليات الإرهابية التي تتدثر زوراً بتعليمات الدين والنصوص المقدسة؟ وهذه تساؤلات مهمة ومفهومة منشؤها في بعض الأحيان عدم الإدراك الحقيقي لأهداف هذه المراكز الحوارية والمؤتمرات التعايشية وعملها. نعم هذه المؤتمرات والمراكز الحوارية التي تنظمها لا تملك عصاً سحرية لحل النزاعات الدينية والعرقية والطائفية، ولكنها في الوقت ذاته ضرورة ملحة لنشر الوعي بأهمية الحوار كقوة ناعمة تعين على حل هذه النزاعات الدينية من جذورها، كما يفعل الآن مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات، حيث استطاع في السنوات الثلاث الماضية تدريب نحو 400 من الشباب ينتمون لمؤسسات دينية، ويمثلون ديانات وطوائف مختلفة من الدول العربية، ويقوم هؤلاء الشباب من ثم بتدريب شباب آخرين، وبدورهم يتواصل هؤلاء الشباب في جميع أنحاء المنطقة مع بعضهم بعضاً بشكل فعال، ليكسروا الحواجز والأوهام التي تراكمت منذ قرون، وعززها الجهل بالآخر.
في عدد من الدول الإسلامية حتى بين طلبة العلم والمثقفين هناك من يستنكف عن اللقاء بالقيادات الدينية الأخرى، إما لعدم قناعته، أو لخوفه من نظرة الرأي العام الذي لا يفهم غايات الحوار مع الآخر ولا يفهم ضرورة التعايش مع المختلف مهما كانت درجة اختلافه.
ولهذا دعم مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات المؤسسات التعليمية الإسلامية والمسيحية التي تدرب وتعلم القيادات الدينية مستقبلاً بهدف إدخال الحوار بين أتباع الأديان في مناهجهم التعليمية؛ وأطلق المركز أول شبكة للمعاهد والكليات الدينية الإسلامية والمسيحية في العالم العربي، وهو ما أشار إليه الأمين العام للمركز فيصل المعمر في كلمته في المؤتمر. وستضع هذه الشبكة منهجاً مشتركاً بشأن التدريب على الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في المؤسسات الدينية في العالم العربي.
إن المراكز الحوارية والمؤتمرات التعايشية أمست ضرورة، فهي أحد مراكز إطفاء نيران الصراعات الدينية والنزاعات الطائفية، ولا يزال عالمنا بحاجة للمزيد والمزيد منها.
التعليقات