محمد البشاري

 تعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً عربياً وإسلامياً بل عالمياً يُحتذى في العديد من المجالات، والتي يأتي من بينها قضية حماية ورعاية كثير من الأقليات الدينية على أراضيها بما يسمح لأتباع الديانات والمعتقدات المختلفة ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية بشكل يصدر للعالمين نموذجاً لسماحة الإسلام في قضية شديدة الحساسية لكثير من المجتمعات والتي تتصل بحرية ممارسة المعتقدات انطلاقاً من ثوابت الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحة.

وليس ذلك الأمر بالشيء العارض في دولة الإمارات، بل إن دستور الدولة المتقدمة والمتطورة لينص على حرية الدين وفقاً للعادات المتبعة، وتحترم الحكومة بشكل عام هذا الحق في الممارسة كما أعلن الدستور الاتحادي الإسلام كدين رسمي للدولة. لم تحدث أية تغييرات في أوضاع احترام الحرية الدينية، بل ربما الأمر يتنامى في ثقافة ووعي متقدم بهذا الأمر، ولذا تجد هناك الكثير من الديانات والمعتقدات في الإمارات، ولكن الدين الرسمي هو الإسلام، الذي كان أول وآخر ديانة في الإمارات.

وتُعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة الوحيدة التي استجابت لقرار الأمم المتحدة رقم 65/244 المتعلق بموضوع (ازدراء الأديان) حيث قام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات بإصدار مرسوم اتحادي يعد فريداً من نوعه من حيث أنه يؤكد على مدنية الدولة المعاصرة، وأكد المرسوم أن ازدراء الأديان، هو كل فعل من شأنه الإساءة إلى الذات الإلهية، أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية، أو دور العبادة وفقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون، والتمييز هو كل تفرقة أو تقييد أو استثناء أو تفصيل بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني.

والمقصود بخطاب الكراهية: كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات، وعن الوسائل: «شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات، أو المواقع الإلكترونية أو المواد الصناعية أو وسائل تقنية المعلومات، أو أية وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية»، وعن طرق التعبير: القول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة أو التصوير أو الغناء أو التمثيل أو الإيماء.

ونصت المادة (2)، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، تطبق العقوبات المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون على الجرائم الواردة به، كما نصت المادة (3)، أنه لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو المساس بها، بما يخالف أحكام هذا المرسوم بقانون.

وشددت المادة (4) أنه «يعدُّ مرتكباً لجريمة ازدراء الأديان كل من أتى أيّاً من الأفعال الآتية التطاول على الذات الإلهية، أو الطعن فيها، أو المساس بها، أوالإساءة إلى أيٍّ من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها، أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها، أو التشويش على إقامة الشعائر أو الاحتفالات الدينية المرخَّصة أو تعطيلها بالعنف أو التهديد، والتعدِّي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي وجه من الوجوه، والتطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم، والتخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة، وللمقابر، وللقبور أو ملحقاتها أو أي من محتوياتها».

والناظر لخارطة الأديان، يجد أنه يعتنق الإسلام أغلبية من سكان الإمارات، معظمهم من أهل السنة يتبعون المذهب المالكي، فيما يعتنق المسيحية أقلية من المقيمين في الإمارات، وينقسمون إلى 3 طوائف هي الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية، فيما يعتنق الهندوسية أقلية من المقيمين في الإمارات، تصل نسبتهم إلى 5%، وذلك إلى جانب ديانات أخرى عدد معتنقيها قليل جداً في الإمارات وهي السيخية والبوذية والبهائية واليهودية. ومع تواصل تلك الرعاية، لم نكن نستغرب ما فعلته حكومة الإمارات من عملية تدشين لأكبر معبد هندوسي ربما في منطقة الشرق الأوسط، والذي أقيم في منطقة الوثبة بالعاصمة أبوظبي وعلى مساحة 20 ألف متر مربع.

هذه الروح الوثابة في التعايش مع الأقليات والمختلف معهم عقائدياً لتمثل نصرة حقيقية في داخلها للأقليات المسلمة في العالم ودعوة بشكل واسع لنشر صحيح الإسلام في كل ربوع الدنيا من خلال إبراز هذا النموذج الأمثل في التعايش بين أتباع مختلف المعتقدات والأديان، وهذا الإقدام قد يزعج بعض من المسلمين في الدول الإسلامية، لكننا نحن المسلمين في الغرب، كأقليات دينية ننعم في بلادنا بحرية ممارسة معتقداتنا، شعرنا بكثير من الفخر بحرية ممارسة الآخرين لمعتقداتهم وشعائرهم في بلاد الإسلام. إننا نؤمن بأن الإسلام الصحيح قيمياً ربما لا يستقيم حال ازدراء أي معتقد أو دين. أو فكر آخر، فاحترام الآخر جزء لا يتجزأ من عقيدتنا الإسلامية، وهو لا يتعارض على الإطلاق مع إقامة الحجة على الآخر، بل التسامح مع الآخر هو بداية حقيقية للبلاغ عن الإسلام ورسالة نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذي رسخ في صحيفة المدينة لأسس التعايش السلمي مع الآخر في أول دستور عرفته البشرية، لكن البعض يتناسى من الإسلام ما لا يتماشى مع هواه.