علي نون

منزعجة ماكينة الممانعة في نواحينا، من تسمية شارع في بيروت باسم خادم الحرمَين الشّريفَين الملك سلمان بن عبد العزيز.. مثلما سبق لها وانزعجت (مبدئياً!) من عودة الروح إلى العلاقات الشاملة اللبنانية – السعودية وتطوّرها نحو مناحٍ إيجابية واضحة، خصوصاً بعد عودة الوزير المفوّض السفير المميّز والممتاز وليد البخاري إلى موقعه في سفارة بلاده ومن خلال المتابعة التي يتولاّها المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا.

وليس في ذلك الانزعاج ما يستدعي العجب. بل هو في سياقه الإيراني «الطبيعي»، الذي ينطلق من بديهة غريبة مفادها أن العداوة قائمة بذاتها مع السعودية بغضّ النظر عن العنوان! أو الموضوع! أو القضيّة الماثلة أمام عموم البشر. بحيث أنّ القياس واحد ويُعتمد بالمستوى نفسه، إزاء قضايا اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان وموسم الحج والنزاع العربي – الإسرائيلي، والعلاقات الدولية ومسائل الفقه والدين والتاريخ والجغرافيا وكلّ شأن آخر أصيل أو متفرّع! المهم عند صاحب القرار في طهران هو الإصرار على إشهار العداء للمملكة وأهلها وإبقاء نارها ولعانة ويراها كلّ من عليها، قريباً كان أم بعيداً!

وهذه حالة تستدعي مقاربة ذات صلة بعلم النفس أكثر من صلتها بالسياسة والجغرافيا والتكتيك والاستراتيجيا.. كأنّ القيادة الإيرانية مُصابة بـ«سعودي فوبيا»! وهذه متحكّمة في الوعي واللاوعي! ومنها تنسلّ باقي الأحكام والمواقف والقرارات الكبيرة والصغيرة.. ويمكن تبعاً لها تفسير غرابة الأداء الإيراني في جملته، وعصيانه على المنطق البسيط والمعقّد كما على الحسابات ذات الصلة بالعلاقات بين الدول والشعوب المتجاورة والمتشاطئة.. وانطلاقاً من باب المصالح قبل العواطف طالما أنّ هذه الأخيرة قُطّعت أوصالها لتغييب «الأمة الإسلامية» في العقل الإيراني الحاكم، لصالح المذهب! ويقظة المعطى التاريخي على وقع صيحات الثأر من بداية البدايات.. من القادسيّة الأولى واستطراداتها ونتائجها!

.. تنزعج الجماعة الممانعة، الإيرانية الهوى والأهواء، من ظاهرة طبيعية ودّية وشرعية في سياق العلاقات بين بيروت والرياض، لكنها ترفض «إنزعاج» الأغيار من اللبنانيين وباقي العرب، من ظواهرها المنفلشة خارج السياقات الطبيعية والودّية والشرعية. ومن كونها راعية حصرية لمشروع يكسر أحادية الدولة اللبنانية في السياسة الدستورية والتسليح والقرارات المصيرية! ويبيح عسكرة الاجتماع المدني في بيئة متنوعة ومتعدّدة، وإشاعة طقوس وممارسات عصيّة على القبول التام حتى في دواخل الجماعة المذهبية المقصودة!

يضيرها تحرّك ديبلوماسي سعودي راقٍ ورعوي ومساعد، ولا يضيرها «تحريك» ألوف الشباب اللبنانيين باتجاه النكبة السورية! ولا باتجاه المصيبة اليمنية! ولا باتجاه النار العراقية! ولا باتجاه التورّط في المسّ بالأمن الوطني السعودي أو البحريني أو الكويتي! ولا باتجاه توريط لبنان بالإجمال، في حروب ونزاعات ونزالات منسوجة على قياسات مصالح صاحب الشأن الإيراني ومشاريعه!

.. «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز»، في كلِّ حال، تُوصل إلى مواضع ومواقع فيها الخير والسلام والشرعية والتنمية والاعتدال وإقدار الدولة اللبنانية ومؤسساتها، مثلما تمتّن حبل الودّ بين البلدين العربيَّين.. وذلك في جملته يكفي لإصابة القيادة الإيرانية وأتباعها بالضيق والانزعاج الأكيدَين والثابتَين! مثلما يكفي لتظهير المقارنة بين مشروعَين: واحد سعودي يساعد لبنان واللبنانيين ولا يتعب. وآخر إيراني يبني حيثيّته ونفوذه على حسابه وحسابهم ولا يخجل!