محمد الرميحي

 قد يكون العنوان السابق غامضاً، لكن التي أعنيها في مسيرتها الطويلة أكثر غموضاً في دورها ومهماتها من العنوان؛ فهي من أحاجي السياسة العربية المعاصرة، تلك التي وُلدت قبل خمسة وسبعين عاماً تقريباً، هي الجامعة العربية، التي أعلنت في 22 مارس (آذار) 1945 في قصر الزعفران في القاهرة، بعد تمهيدات ومفاوضات استمرت قبل ذلك لبضع سنين.. ميثاقها الذي اتفق عليه الموقّعون، يتكون من عشرين مادة، وثلاثة ملاحق، غير الديباجة. تعقد القمة العربية التاسعة والعشرون، وهي إحدى مؤسسات الجامعة وأهمها، في جو سياسي غير مسبوق، والتاسع والعشرون هو الرقم الرسمي لقمة الظهران، إلا أن عدد القمم - إن حسبنا غير العادية - أكثر من ذلك، فهو، أي العدد، كمعظم أعمال الجامعة، ليس هناك توثيق دقيق له. من يقرأ اليوم ميثاق الجامعة يشعر بأنها «نظام يريد ولا يريد»! حيث إن تفسير مواد ذلك الميثاق مطاطي «إقامة وطن عربي مع احترام سيادة الأعضاء»، ذلك أحد نصوص الميثاق! كما نص أيضاً «لا يجوز استخدام القوة لفض المنازعات البينية»، كما نص «لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة الجامعة العربية»! من المهم أن نلحظ أن البروتوكولات - التي سميت بروتوكولات الإسكندرية - ومهدت للميثاق، أي القواعد العامة التي نبع منها ميثاق الجامعة، أفردت تلك البروتوكولات قرارين خاصين؛ واحداً لفلسطين، وآخر للبنان، وهما البلدان، بعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن، ما زالا يشكلان «مشكلة» عربية حتى اليوم، الأولى نضال مستمر دون نجاح كبير، أو اختراق له معنى على الأرض، يقود إلى إنصاف الفلسطينيين، على الرغم من ملاحظة حضارية تضمنها الميثاق تجاه اليهود، حيث نص الميثاق «نتألم لما أصاب اليهود في أوروبا من الويلات والآلام»، في إشارة واضحة لإدانة التصفيات والملاحقات والتطهير التي حدثت لبشر في أوروبا بسبب ديانتهم. أما القرار الملحق حول لبنان؛ فهو يؤكد الأهمية القصوى لاستقلال لبنان، مع الأسف اليوم قرار لبنان السيادي - وليأذن لي الإخوة اللبنانيون ذوو النوايا الحسنة - هو قرار مختطف، ويُسيّر في الغالب من طهران. كان من المفروض أن تكون «الجامعة العربية» نظاماً إقليمياً متماسكاً، فيه منافع لكل أعضائه، عسيراً اختراقه، وطيعاً الانضمام إليه، إلا أن الواقع اليوم يوجب النظر إلى هذا التنظيم الإقليمي بشكل مختلف. أمامنا خياران؛ إما أن نسير مسيرتنا الأولى في عقد الاجتماعات، وإصدار القرارات، ثم ينسى الجميع أن ينفذ منها ما اتفق عليه، أو نعترف بأن الوضع العربي الحالي لا يمكن له أن يسير مسيرته الأولى، فهو أكثر من حرج، بل خطر، وعلينا أن نغيّر جذرياً من المسيرة السابقة - فنبني تحالفات يمكن أن تسمى «تحالف الراغبين» في مواجهة الأخطار الرئيسية المحددة، أي يكون هناك محور عربي يواجه مشكلات «الأمة التي في خطر» بجدية يستحقها الوضع المخيف الذي نعيش، وبطريقة مدروسة وممنهجة. معظم سنوات التكوين، أي في العقدين أو الثلاثة التي لحقت إنشاء الجامعة، كانت دولها المستقلة تواجه «الآخر المستعمر» الذي يهيمن على بقية أجزاء العالم العربي، بريطانيا في الشرق وفرنسا في الغرب، وكانت الدول المستقلة عام 1945 هي سبع دول، ساندت تلك الدول أو بعضها، بشكل أو بآخر، ساندت الدول الخاضعة للاستعمار للتخلص منه، حتى تراجع المُهيمن الغربي وانحسر نفوذه، ونما عدد أعضاء الجامعة، ليصبح اليوم أكثر ثلاث مرات من عدد المؤسسين. اليوم الأمة في خطر، لا لأنها تواجه «هجمة غربية استعمارية» كما كانت في معظم سنوات التكوين، كانت تلك المواجهة هي «الأسهل» نسبياً رغم ما شابها من دم وتضحيات كبرى، في يومنا المواجهة مع دول إقليمية، تريد الهيمنة على أمة العرب البالغ عددهم اليوم ثلاثمائة وخمسين مليون نسمة، وتضم أرضهم ثروات طبيعية، كما أن جغرافيتهم تتوسط الغرب والشرق، وفي الوقت نفسه، فإن عدداً من الدول العربية إما يمكن تصنيفها بأنها «فاشلة»، أو «مهددة بالفشل»، وتخوض حروباً أهلية، ولا يتأخر متخذ القرار فيها أن يتجاهل رغبة أغلبية شعبه، ويستدعي «الخارجي»، بل ويبيد شعبه مستخدماً السلاح الكيماوي المحرّم على النطاق العالمي. تظهر لنا الدول الفاشلة أو المهددة بالفشل في لبنان وسوريا وحتى العراق وليبيا! على درجات مختلفة، ويهيم اللاجئون العرب على وجوههم في أقاصي الأرض، كل ذلك يحتاج إلى خطة إنقاذ من جانبين؛ الأول هو اتخاذ كل ما يلزم لتجنب الدول العربية التي لم يطلها الخلل إلى أن تبقى كذلك، وتشكل رأس الجسر للإنقاذ، والجانب الآخر وضع حد أدنى لقبول الأنظمة الفاشلة في محيط الجامعة؛ حتى لا تسمم أجواء العمل العربي وتعطله عن مهماته التاريخية التي يتطلع إليها الشعب العربي في كل مكان.

نقل مكان القمة من الرياض إلى الظهران في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، ليس بسبب ما سارع الإعلام المزيف للقول إنها نقلت «بعيداً عن صواريخ الحوثي»! تلك فرية أراد البعض ترويجها.. نقلت حتى يطل كل من يحضر إلى القمة من الوفود من شباك طائراتهم إلى الجانب الشرقي من الخليج، ليرى إيران، وأن الخطر قريب؛ فالظهران لا تبعد كثيراً عن شواطئ إيران، التي هي مصدر تهديد حقيقي للنظام العربي برمته. اليوم مرة أخرى الإعلام المزيف يريد الترويج إلى صراع سني شيعي! وهو أبعد من الحقيقة بفراسخ؛ لأن الطموحات الإيرانية هي في صلبها قومية فارسية، لا تستخدم الشيعية إلا غطاءً لتضليل السذج، والأمة في خطر؛ لأن هناك قوى إقليمية أخرى تريد التمدد تحت غطاء الإسلام السياسي «السني»، هذه المرة هي تركيا، التي ترى أن مشروعها هو الذي يجب أن يسود، وهو مشروع من جديد ليس مذهبياً، وإن تغطى بذلك، لكنه قومي طوراني! لهذا؛ فهي تتدخل في أكثر من مكان في الشأن العربي. لعل الصورة القاتمة التي جمعت الرئيس الروسي بالإيراني بالتركي، كي يبحثوا الشأن السوري «العربي» خير دليل على ذلك التدخل السافر. هذان المشروعان يستخدمان أداتين؛ الأولى مذهبية، والأخرى مظهر الدفاع عن فلسطين! أمام هذين المشروعين الإيراني والتركي، وأمام حقيقة سقوط عدد من دول الإقليم في حروب أهلية، وتدخلات إقليمية وعالمية، أو تحت سيطرة أحد أقطاب المشروعين، يبدو أن المخرج هو بناء تحالف عربي سياسي بمن رغب، وتجديد شباب الجامعة العتيدة. هدف الائتلاف الجديد إبعاد المنطقة عن هوة التمزق، ويستطيع أن يوقف تمدد المشروعين الإقليميين، كما يستطيع أن يقدم البديل. ذاك المفروض هدف الجامعة الجديد، ومن مصلحة الدول العربية، وبخاصة التي لم تسقط في مرحلة الخطر والاضطراب، أن تتمسك بالنظام الإقليمي العربي، على أن يجدد على أساس أكثر وضوحاً مما سبق، وأن تحافظ على جذوته مشتعلة، وقادرة على المقاومة، بعدها يمكن إقامة تحالف دولي يساعد في إشاعة السلم والأمن في ربوع المنطقة. فالقمة إذن ليست قمة مجاملات، بل وجب أن تكون قمة مصارحات، تتجاوز الكلام غير الواضح والجمل المنمقة، إلى التفكير في بناء التحالف المرغوب، وتسمية المخاطر بأسمائها الصريحة، حيث لم يبق وقت للمجاملات.
آخر الكلام: مرة أخرى يقع جهاز الترجمة في البيت الأبيض في خطأ الترجمة الحرفية، فقد ترجم اسم «الأسد» إلى «حيوان» ونطق به السيد دونالد ترمب! أخطاء الترجمة كثرت هذه الأيام!