علي العبدالله

مع فشل محاولات الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع على سورية تحقيق أهدافها، وبلوغها تخوم مواجهة مباشرة باتباعها سياسة حافة الهاوية، شاعت الأساليب الملتوية والخدع المكشوفة في ممارسات هذه الأطراف، وممارسات المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا للأسف، في سعي رخيص إلى تحقيق مكاسب سياسية وتسجيل نقاط ضد الخصوم الإقليميين والدوليين من دون الاعتداد بآثارها المدمرة على الشعب السوري.


فقد فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع بالإعلان عن رغبته في سحب القوات الأميركية من سورية، قبل أن يعلن عن هدفه الحقيقي من هذا الإعلان/ الخدعة، بالمطالبة بتحمّل دول الخليج العربية التكلفة المالية لبقاء هذه القوات، وألحقها بمطالبتها بإرسال قوات منها للمرابطة في المناطق التي طُرد منها «داعش» وتسيطر عليها قواته، ربما لرفع قيمة الفاتورة المطلوبة بإعطائها موطئ قدم وتمكينها من لعب دور في المفاوضات حول مستقبل سورية، من دون النظر في المخاطر التي تنطوي عليها دعوته إلى إرسال قوات عربية إلى تلك المناطق إن لجهة الصدام مع الأتراك أو لجهة الصدام مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وميليشياتهم.

قادة دول ثلاثي آستانة، في القمتين اللتين عقدوهما في سوتشي يوم 22/11/2017 وأنقرة يوم 4/4/2018، ووزراء خارجيتهم، في اجتماعهم الأخير في موسكو يوم 28/4/2018، أطنبوا في الحديث عن حل سوري - سوري بينما هم منهمكون في التفاوض حول هذا الحل، يخططون له، ليس من دون حضور سوري من النظام أو المعارضة فقط، بل ومن دون سؤالهم عن رأيهم بالمطروح في هذه الاجتماعات.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ولغوا في دماء الشعب السوري بالهجوم على مناطق وبلدات وقرى، وتدميرها وتهجير سكانها، كانوا أخضعوها لاتفاقات خفض التصعيد، في ريف إدلب والغوطة الشرقية وأحياء جنوب دمشق وريفي حمص وحماة بالنسبة إلى روسيا وإيران، مع ذلك تحدث البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجيتهم في موسكو عن «نجاح» المسار في خفض مستوى العنف، وعن خطوات جماعية وفردية لضمان دفع العملية السياسية، والعودة إلى مسار تطبيق القرار 2254، وغض طرف من قبل تركيا عن هذه العمليات مقابل السماح لها بمهاجمة منطقة عفرين.

لم تكتف تركيا بالهجوم على عفرين بل زادت بتلويث المعارضة السورية في هذا العدوان بإشراك فصائل من «الجيش الوطني السوري» في الهجوم، ودفع «المجلس الإسلامي السوري» لإصدار فتوى تبرر العدوان، وبإرسال وفد من قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة لزيارة المنطقة بعد السيطرة عليها، ودفعها الحكومة السورية الموقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة للمشاركة في مؤتمر سوتشي بعد أن فشلت في دفع هيئة التفاوض للمشاركة من خلال محاولة استدراجها باستقبال رئيسها نصر الحريري من قبل الرئيس التركي. وقد كان لافتاً انخراط أطراف من المعارضة السورية في الدعاية التركية عبر التسويق لمسار آستانة، الذي وصفه أحدهم بالمسار «الأنضج»، وعبر تجهيل القوى الأجنبية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري. فهناك تقرير تحليلي أصدره «مركز جسور للدراسات»، وهو مركز لإخوان سورية مقره في اسطنبول، يوم 23/4/2018 تحت عنوان «التهجير المنظم في الغوطة الشرقية... الحجم والأثر»، استخدم تعابير مثل «القوى الأجنبية الداعمة» و «حلفائه الأجانب» كي لا يذكر روسيا وإيران شركاء تركيا في مسار آستانة بالاسم.

لا شك أن لهذه الدول دوافعها وأهدافها ورغبتها في تحقيق مصالحها، ما يجعل سلوكها مفهوماً، من دون أن يكون مقبولاً بالطبع، لكن أن ينحدر مبعوث المنظمة الدولية، الأمم المتحدة، التي أنُشئت كي تحمي الأمن والسلم الدوليين، إلى ممارسة الخداع واللعب على التناقضات من أجل تبرير دوره واحتفاظه بمنصبه فذلك ليس مفهوماً، ولا مقبولاً بالمطلق.

فالسيد ستيفان دي ميستورا ابتدع غرفة للمجتمع المدني وراح يدعو عشرات المنظمات إلى هذه الغرفة بذريعة إشراكها في البحث عن حل سياسي للصراع في سورية، اعتبُر الأمر مقبولاً في ضوء رؤى عن إشراك أوسع طيف سوري في الحوار، لكن ذلك لا يبرر له الخداع والمراوغة عبر تصنيف منظمات المجتمع المدني السورية بحسب مواقفها والبدء باستبعاد ممثلي المنظمات التي لا تقبل بطروحاته من المشاركة، وتشويه صورتها لدى الأمين العام للأمم المتحدة عبر اتهامها، بعد إصدار عدد من هذه المنظمات بياناً انتقد إدارة دي ميستورا هذه الغرفة، وعدم أخذ آراء المنظمات المشاركة في اجتماعاتها في الاعتبار وتجاهله ما تقترحه من خطط وتقديرات، بوضع تواقيع منظمات مجتمع مدني أخرى على البيان من دون علمها أو موافقتها، وقد جاء «بيان المجتمع المدني السوري» على هامش اجتماع بروكسل للدول المانحة ليفجر الموقف ويكشف اللعبة القذرة التي يديرها دي ميستورا ومكتبه، الذي (البيان) لم يكتف بالتزوير باستخدام وصف «المجتمع المدني السوري» للإيحاء بإجماع منظمات المجتمع المدني السورية، في حين أن عدد المنظمات التي شاركت في الاجتماع وفي إصدار البيان (36 منظمة) ضئيل بالقياس لعدد المنظمات المشكّلة في الفضاء السوري في الوطن والشتات (عددها بالآلاف)، ولجوئه إلى دفع المنظمات المشاركة في هذا اللقاء إلى الالتفاف على الوقائع المرة في الصراع في سورية وعليها باستخدام مصطلحات وتعابير تموّه المشهد وتفتئت على حقوق المواطنين من نوع «الهندسة الديموغرافية» في وصف عمليات التهجير القسري، وإلى المطالبة برفع العقوبات الاقتصادية عن النظام وفتح قنصليات للنظام في دول العالم... الخ، وهي نقاط لمصلحة النظام، كي يقول إنه حقق إنجازاً بالتقريب بين موالي النظام ومعارضيه.

من إبداعات السيد دي ميستورا الديبلوماسية مديحه لمسار آستانة خلال زيارته الأخيرة لموسكو يوم 20/4/2018، وانتقاده هذا المسار بعد عدة أيام في مقابلة له مع إذاعة البي بي سي البريطانية قال فيها «إن هذا المسار قد استنفد إمكانياته».

لن تقود الطرق الملتوية والخدع إلى مخرج، كما لا يمكن لحل يفتئت على الشعب السوري، بتجاهل مطالبه وأسباب خروجه على النظام المستبد، إلى سلام واستقرار وأمن.