عبد الرحمن الحبيب

 روسيا هي من أكثر البلدان التي يزورها نتنياهو، حتى في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل قبل أيام تقصف المواقع الإيرانية في سوريا بعشرات الصواريخ ويعلن وزير دفاعها بأنهم دمروا البنية التحتية لتلك المواقع، كان نتنياهو بموسكو يشارك باحتفالات «يوم النصر» ضد ألمانيا النازية بضيافة بوتين. في ذلك اليوم لم تعلن روسيا أي موقف تجاه إطلاق هذه الصواريخ!

إذا كنا لم نسمع اعتراضاً من روسيا على هذه الضربات الإسرائيلية، فأيضاً لم نسمع عتاباً أو حتى تلميحاً من النظام في إيران أو سوريا على الموقف الروسي الحيادي. إذ يبدو أن جميع أطراف النزاع في مرحلة استمالة الجانب الروسي باعتباره العامل الحاسم في الصراع الدائر بالساحة السورية؛ فروسيا حليفة لإيران وإسرائيل في آن معاً والحامية الفعلية للنظام السوري! لكن روسيا الآن في مأزق حرج، فمع من ستقف إذا تفاقم الوضع لحد المواجهة المباشرة بين حليفيها، إذ حينها يكون استمرار الحياد شبه مستحيل.

يتجنب المتحدثون الروس الخوض في الموقف الروسي تجاه المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا، وإذا خاضوا فيه تكلموا بلغة دبلوماسية مبهمة، كما تكتم الكرملين حول نتائج المحادثات الأخيرة بين بوتين ونتنياهو، ولم يصدر عنه أي بيان. بالمقابل جاء في صحيفة التايمز البريطانية أن زيارة نتنياهو إلى موسكو هي لإبلاغ بوتين بالضربات الجوية التي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية في سوريا، بينما ذُكر في صحيفة الديلي تلغراف أن موسكو أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل..

بل إن تصريحات مساعد الرئيس الروسي فلاديمير كوجين بأن روسيا لا تخطط لتزويد سوريا بمنظومة «إس 300»، تم اعتبارها نتيجة لزيارة نتنياهو لموسكو لأنها أتت متزامنة معها. وتشكل إس 300 نقلة نوعية كبيرة جداً لو امتلكتها الدفاعات الجوية السورية، التي تعتمد اليوم على منظومة امتلكتها إبان حقبة الاتحاد السوفياتي السابق، ومن شأنها أن تُعقد الغارات الإسرائيلية، وتعتبره إسرائيل تجاوزاً للخط الأحمر في علاقتها مع روسيا، فيما قال المتحدث باسم الكرملين إن «روسيا تملك الحق في القيام بكل ما تراه ضرورياً»، تلميحاً بعيداً لإمكانية تزيد سوريا بها.

فماذا عن موقف «القيصر الروسي» بوتين بين إيران وإسرائيل؟ بوتين عبَّر في أحيان قليلة عن انزعاجه من الهجمات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، لكنه أخبر محاورين غربيين بصورة غير علنية (نقلاً عن معهد واشنطن) بأنه لا يرغب في أن تصبح سوريا «مستعمرةً فارسية»؛ ومن ثم فهو غير مستعد لمشاهدة اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل.

قبل اندلاع المواجهة الحالية بين الطرفين، يرى كثير من المراقبين أن بوتين يعتقد أن بإمكانه استغلال المنافسة الإيرانية - الإسرائيلية في الساحة السورية لمصلحته بلاده، طالما لم يصل لحد النزاع المسلح المباشر. لذا اقتصرت روسيا على تقديم المشورة لكلا الطرفين بالامتناع عن مزيد من التصعيد كي لا يتفاقم لمواجهة مباشرة. فعلى الرغم من أن بوتين على صلة وثيقة بكل من روحاني ونتنياهو، إلّا أنّه لم يعرض الوساطة بين الجانبين. فضلاً عن ذلك، لم يصدر أي توجيهات إلى القواعد الروسية في سوريا للتدخل ضد الضربات الإسرائيلية، وفي نفس الوقت لم يطلب من إيران وقف توسيع بنيتها التحتية العسكرية في سوريا.

هذا الموقف العجيب لروسيا يستند على الوضع السابق منذ بداية الأزمة حين اختارت إسرائيل عدم اتخاذ أي خطوات تسرّع انهيار نظام الأسد، لأنها ببساطة تفضّله على نظام لا تعرفه، مستندةً ضمنياً على حجة «الشيطان الذي نعرفه» حسب تعبير إيهود يعاري (مركز ليفر الدولي) الذي استدرك بأن التواجد الإيراني المتزايد قرب حدودها تجاوز ما تحتمله إسرائيل، فأطلقت ضرباتها على مواقع لا تمس أي تواجد للروس في سوريا متوخية أقصى درجات الحذر في ذلك..

إذن، روسيا ستسعى بكل جهدها إلى عدم تصعيد الموقف بين إيران وإسرائيل، خاصة أن طبيعة الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، حتى الآن، لا يعد تصعيداً خطيراً مباشراً ضد بعضهما البعض، فالهجمات الإسرائيلية ضربت ما حول حدودها التي تحتلها، فيما الهجمات الإيرانية استهدفت الجولان المحتل مما لا يعد ضد إسرائيل مباشرة حسب رأي التايمز التي يذكر كاتبها ريتشارد سبانسر: إن طبيعة الهجمات والمواقف تبين أن إسرائيل وروسيا وإيران متفقون ضمنياً على الحدود التي يصلها النزاع، ولكن الأمر خطير، خاصة إذا مس كبرياء القوات المسلحة الإسرائيلية، على حد تعبيره.

بقي السؤال الجوهري: لو حدث التصعيد بمواجهة مسلحة مباشرة بين إيران وإسرائيل فماذا ستفعل روسيا؟ ستقف على الحياد ما لم تصب قواعدها أو عسكرييها، لكنه سيكون حياداً مستفزاً لكل الأطراف وله كلفة عالية. هنا، سيحاول بوتين ممارسة ضغوط جدية على حلفائه الإيرانيين والإسرائيليين لوقف التصعيد. كذلك يمكن تفعيل اتفاق الحد من التصعيد في جنوب سوريا الذي توصلت إليه روسيا وأمريكا العام الماضي. ولكن يظل أهم السبل لإنجاز تخفيف التصعيد هو التفاهم الروسي الأمريكي، الذي لا تتوافر له حالياً ظروف مهيأة، خاصة بعد صدمة انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وتداعياته المخيمة على الأجواء..