ياسر الغسلان

يجب ألا نتجاهل أننا رفعنا سقف التوقعات من منطلق ما اعتبره البعض تعبيرا عن الوطنية، بينما يراه البعض أنه تضليل باستخدام الوطنية

انتهت مشاركة المملكة في أكبر محفل كروي عالمي بخروج لا يمكن النظر إليه باعتباره أمرا مستغربا، إلا أنه في ذات الوقت لا يمكن القول إنه خروج دون نتائج يمكن العمل عليها، ودروس يمكن الاستفادة منها، فرغم الخسارة الكبيرة في افتتاح البطولة أمام المضيف الروسي إلا أن المنتخب استطاع تقليل الخسائر أمام نجوم الأوروجواي بهزيمة منطقية رغم تميز المنتخب في تلك المباراة، وفوز مستحق وبطريقة دراماتيكية على الشقيق المصري في احتفالية أثبتت أن لا يأس مع الشباب السعودي القادر على مفاجأة الجميع في أي لحظة.


لقد أثير الكثير حول الأسباب التي أدت للهزيمة الثقيلة أمام روسيا، فمنهم ما اتهم اللاعبين بالتخاذل، ومنهم من حط من قدرهم الفني، ومنهم من أطلق عليهم رصاصة الرحمة وهم ما زالوا أحياء، ولا أفرق هنا بين جماهير ومسؤولين عن الرياضة، فتوزيع الاتهامات التي تلت مباراة روسيا بينت أن هناك خللا في الطريقة التي نتعامل بها مع الإخفاقات، على الرغم من أن الإخفاقات ذاتها هي جزء من اللعبة، بل جزء من الحياة بشكل عام، والإدارة الحكيمة هي التي لديها القدرة على التعاطي مع الظروف الصعبة بهدوء وتماسك، لا عبر ردات الفعل الارتجالية التي بطبيعتها لديها القدرة على الهدم أكثر من البناء.
إن كنا نؤمن بأن سبب الخسارة الأولى هم اللاعبون فإن من حقق الانتصار أمام مصر هم اللاعبون وحدهم دون أي مساعدة أو دور لأي جهاز إداري أو إرشادي، وإن كنا نؤمن بأن الفوز هو جهد الجميع فعلينا أن نعيد النظر في الدور الذي قامت به كل الأطراف في الإخفاقات ونحاسب الجميع بقدر المسؤولية التي يتمتع بها.


من الأمور المضحكة التي ربما تابعناها جميعا هي الهجمة التي طالت الإعلام بعد تلك الهزيمة الكبيرة، وكأن الإعلام الرياضي هو الذي أدار وهو الذي خطط وهو الذي درب ولعب، فبدلا من التركيز على المسببات الحقيقية اتجه البعض للوم «الحلقة الأضعف» في المجتمع الرياضي باعتباره سبب النكسة، إلا أنه وللحق أقول إن الإعلام ربما عليه بعض اللوم، خصوصا أنه لم يقم بدوره الحقيقي في النقد والمساءلة على جميع المسؤوليات، فسكوته وربما خوفه من التغريد خارج السرب أفقده المكانة التي حصنته وجعلته المؤثر رقم واحد في الرياضة السعودية لعقود باعتباره الرقيب الأول على الرياضة السعودية.
هناك من اتجه للتنظير حول الخطوات التي يجب أن تؤخذ لإعادة بناء الرياضة السعودية بعد الهزيمة الروسية، وهناك من كسّر المجاديف -كما يقال- وفضل خلق روح الإحباط، بينما ركز جزء ثالث على المراقبة من بعيد إحباطا من جهة وخوفا من أن يشيطن من جهة باعتباره عدوا للوطن.


نعم النقد في أوقات الإخفاقات يراه البعض لا وطنية، فالواجب من وجهة نظرهم أن يسير الإنسان في ركب الجموع التي تسير بطبيعتها خلف من صوته الأعلى والأهم وليس بالضرورة من صوته الأعقل والأهدأ.
الدروس الكبرى التي في تقديري خرجنا بها من هذه المشاركة هي أن أبناء المملكة فيهم خير كثير وشجاعة وإقدام وحب كبير للوطن، قد يختلفون في تعبيرهم عن هذا الخير والشجاعة والحب، إلا أنهم جميعا متفقون على أن الإنجازات تبنى بتحمل الجميع لمسؤولياته، وقيام الجميع بالدور المنوط بهم بالشكل الصحيح دون خوف أو رياء أو إيثار السلامة على قول الحقيقة، وأن الإعلام دوره محوري في عمله الرقابي والنقدي، فبدون نقد لا يمكن أن يرى الإنسان أخطاءه، ودون محاسبة لا يمكن أن يعمل الإنسان بجد وأمانة.
يجب ألا نتجاهل أننا رفعنا سقف التوقعات من منطلق ما اعتبره البعض تعبيرا عن الوطنية، بينما يراه البعض أنه تضليل باستخدام الوطنية، فالنجاحات تتحقق بالطموح والعمل الطويل والجاد، لا بالعبارات الرنانة والقفشات اللفظية.