&محمد علي فرحات&

الثلاثي الروسي التركي الإيراني يبدو معنياً جداً بسورية والعراق، واستتباعاً بلبنان والأردن وفلسطين، أي بالمشرق العربي. ولكن، لكل طرف من هذا الثلاثي رؤيته، بل إيديولوجيته، تجاه إعادة التشكيل السياسي, وربما الجغرافي، لهذه البلاد العربية المنكوبة أو المرشحة للنكبات. ويقدّم الحكم التركي، بوجهه الإسلامي السني الأكثري، والحكم الإيراني بوجهه الإسلامي الشيعي الأقلوي، صورة عن التفريق بين الإيديولوجيا والحراك السياسي، إذ ينتهج سادة أنقرة وسادة طهران سبيلاً براغماتياً في الصراع- الاتفاق على إعادة تركيب المشرق العربي وفق مصالحهم كحكام للدولتين الإقليميتين وما تقتضي هذه المصالح من توافق أو تعارض أو تقاطع. أما موسكو فلها وضع آخر. إنها شريك التركي والإيراني خطوة خطوة في المنطقة، لكنها في الدرجة الأولى الخصم- الشريك للولايات المتحدة الحاضرة بقوة في العراق وبقدر من القوة يمكن أن يتعزز في سورية إذا اقتضى الأمر.


ومهما كانت نتيجة الاجتماع المهم في موسكو بين بوتين وأردوغان حول الوضع في شمال سورية ومطالب تركيا في تلك المنطقة الحساسة، فإن الطرفين سيلجآن إلى المقايضة كما جرى في غير موقع في سورية، ونذكر مثلاً في حلب الشرقية التي وضعت في الكفّة المقابلة لدرع الفرات. إنها المقايضة التي تحفظ لكل طرف حداً أدنى من مطالبه، في بلدان تفككت فيها الدولة والمجتمع ويدفع مواطنوها ثمن الحكم المستبد والمعارضة العاطفية الطائشة.

ويتردد، في إطار المقايضة، واستناداً إلى موافقة أميركية مسبقة وإلى خفة في وزن الرأي الإيراني، أن الحدود التركية- السورية ستكون آمنة كما يرغب أردوغان الذي سيُعطى على الأقل حق الإشراف الدائم والتفتيش وفق الحاجة للحفاظ على صفة الأمان تلك. لكن المكسب الأردوغاني الأدنى من مستوى الهيمنة سيرتّب على الزعيم التركي أن يقبل بحكم ذاتي كردي في شرق الفرات وبعيداً من الحدود، يكرر في سورية تجربة الحكم الذاتي العراقي الممنوع من صيغة الدولة بل حتى صيغة الكانتون. وهنا يمكن لموسكو أن تتناسى وعدها لنظام الأسد بتسلّم شمال سورية كله، لكنها ستنال من الأتراك رقبة أبو محمد الجولاني قائد النصرة- القاعدة المستولي على إدلب، وسيشارك الأتراك عسكرياً في تحرير إدلب وتقديمها بواسطة الروس إلى النظام الحاكم في دمشق. لذلك ينال الرئيس السوري جائزة ترضية عن وعود روسية لم تتحقق.

لقد بدأت لقاءات الثلاثي الروسي التركي الإيراني تنتقل من التحكُّم بمسار الأحداث في مناطق محددة، إلى تطبيق مقايضات على مساحات أكبر في سورية وفي العراق، وسيكون التطبيق الأبرز في شمال سورية بما في ذلك المنطقة الآمنة والحكم الذاتي الكردي وإعطاء إدلب إلى النظام بعد تطهيرها من «النصرة» المُجمع على وصفها بالإرهاب. وهنا تنطوي الإشاعات التي أُطلقت مؤخراً حول مسعىً روسي لمصالحة أردوغان والأسد، فذلك متعذّر لأسباب إيديولوجية وسياسية وشخصية بحيث يبدو مثل جمع الماء والنار. وما يبدو معقّداً في سورية تظهر علاماته طبيعية في العراق حيث سيزداد نفوذ أردوغان، على رغم اليقظة الوطنية العراقية المتأخرة، ليلعب الرئيس التركي دور المعادل للتأثير الإيراني، وفي ذلك تحقق واشنطن مبتغاها ومعها موسكو التي لن تطمح بنفوذ في العراق يوازي نفوذها الراسخ والمتعاظم في سورية.

وخارج سورية والعراق بدأ الثلاثي الروسي التركي الإيراني يتلمّس لعبة المقايضة الأكثر تعقيداً في لبنان والأردن، وهنا تبدو موسكو وأنقرة أكثر قدرة على المناورة لكونهما تحتفظان بعلاقة ديبلوماسية مع إسرائيل في حين تبدو طهران ضعيفة وإن توهّمت أن «حزب الله» اللبناني قوة في هذا الملف.