&خالد العضاض&&

&من مبادئ الصحويين الرئيسة معاداة الحكومات، وكل ما يقترب من الحاكم، ولذلك هم يشككون بأمانة ومصداقية كل ما يصدر عن الدولة بأي سبيل وأي طريقة

حينما شرح الدكتور سفر الحوالي رسالة تحكيم القوانين للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية السابق، كان يستحضر رأي الشيخ ابتداء بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج من الملة، وكما هي عادة أهل الإسلام السياسي يدورون مع مسألة الحكم والحاكمية وجودا وعدما، حتى وإن شتتوا الانتباه وصرفوا الأذهان باهتمامات كبرى أخرى، ستجد أن تلك الاهتمامات تسلك السبيل الموصل إلى الأمر المهم عندهم وهو الحكم، وكرسي الحكم، واستعادة سلطة الخلافة العثمانية الزائلة.
هذا الشرح وتلك الرسالة الصغيرة، انتشرت بين الصحويين بسبب توصية الدكتور الحوالي بعد إيقافهم من قبل سلطات الأمن السعودي، تذكرتها ضمن ما تذكرت وأنا أستعيد ذكريات خروج مشايخ الصحويين من السجن في أبريل 1999، بعد أول مواجهة حقيقية مع الحكومة السعودية، وكأنهم بنشر ذلك الرأي الذي طغى على رأي الفتوى المعتمدة رسميا وشعبيا في البلد: هيئة كبار العلماء، والإفتاء، وابن باز، وابن عثيمين، وحتى ابن جبرين المحسوب على الصحويين، يقولون -بلسان الحال- هذا الذي جناه علينا الحكم بغير ما أنزل الله، وهو الأمر الذي صرَّح به الحوالي، ولمح في أكثر من موضع في آخر ما كتب في 2018، وأين؟! في البلد الوحيد الذي يطبق الشرع الإسلامي، قولا وفعلا.


من مبادئ الصحويين الرئيسة -كما في اليسار العربي تماما- معاداة الحكومات، وكل ما يقترب من الحاكم، ولذلك هم يشككون بأمانة ومصداقية كل ما يصدر عن الدولة بأي سبيل وأي طريقة.
والعنف في التعاطي مع الخصوم هو الأساس، لثقافة إرهاب أعداء الله، والإثخان في العدو، وعدم الأخذ بلومة اللائم في الحق وما إلى ذلك من الأدبيات والأبجديات النظرية الإسلاموية، التي لا تستند إلا لدلالة ظنية لا يدعمها مستند من شرع أو عقل أو عرف.. إلخ، أو دليل واهٍ متهالك.
يرجح بعض الباحثين أن بدايات العنف الراديكالي كانت في حقبة الستينيات من القرن الماضي (ناصر الحزيمي، صحيفة الرياض، 3 ديسمبر 2016)، وأظن أن في هذا بعض النظر، بل بدأ العنف مع حسن البنا نفسه في صباه، وفي وقت سابق لتأسيس الإخوان المسلمين، حيث اشترك منذ وقت مبكر من عمره في بعض الجمعيات الدينية، وانضم لطريقة صوفية تُعرف بالطريقة الحصافية، حتى صار سكرتيرا للجمعية الحصافية للبر وهو في الثالثة عشرة من عمره، فعندما تألفت جمعية الأخلاق الأدبية وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسا لهذه الجمعية، ثم أنشؤوا جمعية أخرى خارج نطاق المدرسة سموها جمعية منع المحرمات، ثم تطورت الفكرة في رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور. فأنشأ الجمعية الحصافية الخيرية التي زاولت عملها في حقلين أساسيين الأول: نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات، والمحرمات المنتشرة. والثاني: مقاومة الإرساليات التبشيرية، وكلها كانت تلجأ إلى استخدم العنف المعنوي والجسدي، والتخريب المادي، ولعل أول الدماء المحرمة التي أسالتها الدعوة الإرهابية الإخوانية، كانت دماء محمود فهمي النقراشي، الذي اغتيل على يد الجماعة، بعد حله للجماعة في 8 ديسمبر 1948، ففي 28 ديسمبر 1948 بالقاهرة، قام القاتل عبدالمجيد أحمد حسن، والمنتمي للتنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، بالتخفي في زي ضابط شرطة وقام بتحية النقراشي حينما همَّ بركوب المصعد، ثم أفرغ ثلاث رصاصات في ظهره.
وتبين أن وراء الحادث التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، حيث اعتقل القاتل الرئيس والذي اعترف بالجريمة لكون النقراشي أصدر قرارا بحل الجماعة، ليحكم على المتهم الرئيس بالإعدام شنقا وعلى شركائه بالسجن مدى الحياة.
وعودة على الصحوة السعودية، فيمكن اعتبار بدايات العنف مع معركة الحداثة، على اعتبار أن حركة جهيمان وما قام به هو فلتة من فلتات الزمان التي جاءت على غير تقدير أو ترتيب صحوي، إخواني أو سروري، مع الإقرار بالأثر والتأثر المتبادل بين الطرفين، كل فئة على أختها.
كان العنف اللفظي، والمعنوي في معركة الحداثة شرسا لدرجة لا تصدق، بل أخذت دور المحكمة والقاضي والجلاد، في الحكم على الأدباء والمثقفين، فيحكم على الأديب بالإيمان أو الكفر، ويوصف ويطلق عليه الوصف الشرعي، مرتد، فاسق، محارب لله ولرسوله، محارب للإسلام... إلخ، على أبسط قول يمكن أن يؤول، بل ويمكن لمراهقي الصحوة وقتها أن يمارسوا تجربة الحكم، والتكفير والتفسيق.


بدأ الأمر مع سعيد بن ناصر الغامدي، في مدينة أبها، والمعيد في جامعة الإمام محمد بن سعود فرع أبها، حينها، حينما قام بالتعريف بحركة الحداثة، وبرموزها في الداخل والخارج، واستطاع الغامدي تتبع نشاط بعض الأدباء وتوثيق ذلك في مادة مسجلة على شريطين «كاستين»، سجلت في المنزل، ثم ما لبثت نسخ هذه المادة الصوتية أن انتشرت بسرعة فائقة، حتى إن جامعة الملك سعود في الرياض وزع فيها ما يزيد على 60 ألف نسخة.
أخذ الأمر طابعا ومنحى آخر، إذ صار حديث الناس عن هذه الفئة المارقة من الدين كبيرا ومنتشرا، وبدأت تحدد حتى ملامحها الشكلية، في عملية فرز شعبية عالية العشوائية وعالية الصرامة، بسبب التأليب الصحوي المبتكر، بدأ خطباء المساجد المشاركة في السجال، ومحاضرات وعظية بحتة بعناوين تحمل معاني الزهد والورع والتقى، تدع في طياتها مجالا للتصنيف والإقصاء والبهتان والغيبة الذميمة، وممارسة الذم والتفسيق لهذه الفئة من الأدباء.
ولعل مرد ذلك في ظني، أن ثمة حدثا أدبيا في نادي أبها الأدبي، في العام ذاته، منعت فيه مداخلات بعض الإسلاميين، وبعض المحسوبين على الإسلاميين، مثل عوض القرني المحاضر حينها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أبها، لضيق الوقت، هو ما أفضى إلى هذه الهجمة العكسية من قبل صحويي الإخوان في أبها.
أعقب هذان الشريطان، صدور الكتاب الأشهر صحويا، (الحداثة في ميزان الإسلام، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، القاهرة، 1408/1988)، لعوض بن محمد القرني، وتقديم الشيخ عبدالعزيز بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، حينها، ويُحدث الدكتور عوض القرني عن كتابه هذا، أنه ألفه في تسعة عشر يوما فقط، إذ اعتكف في منزله لا يخرج حتى للصلاة، بل كان يصلي في البيت، حتى أنجز كتابه، وعندما انتهى رأى أن انتشار الكتاب سيكون محدودا لعدم شهرة الكاتب، ومعرفة الناس به، فلاحت له فكرة الاتكاء على اسم الشيخ السعودي الأشهر في زمنه ابن باز، فسارع إلى زيارته وطلب تقريظه للكتاب، وبعد حديث، كتب عوض نفسه التقريظ بالتعاون مع بعض مساعدي الشيخ، ثم قرأه على ابن باز، وعدل عليه بعض التعديلات الشكلية، ثم نشره في مقدمة الكتاب.
يربط كثير بين المادة الصوتية للغامدي، والكتاب للقرني، بل بعضهم يقول إن شريطي الغامدي السمعيين خرجا في كتاب للقرني، وهذا غير صحيح، فالمطلع بدقة على المنتجين يجد بينهما الفرق واضحا، ووجه الربط هو التعاون بين الاثنين في ذلك، وكون الأرشيف الذي يستمدان منه مادتهما واحدا، هذا التعاون استمر حتى إيقاف القرني في سبتمبر 2017، ومغادرة الغامدي إلى تركيا ثم لندن.

&