&مجاهد عبدالمتعالي& &

يرى السروري نفسه وصيا على ابنتك وزوجتك وأمك، فهو من يقرر شكل حجابها ولون عباءتها، بل متى مواعيد خروجها للسوق أو لأهلها، بل نوع عملها وطريقة كسبها

المؤمن الحق لن يحس بالبطح على رأسه في كل ما سيقرؤه من سطور، إذ ليس من صفات المؤمن في حياته التكاذب بلا خجل إلى حد يجعلك تقول (والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب)، عبارة تكاد تكررها بينك وبين نفسك عندما تسمع أحدهم يحدثك عن حرمة التصوير لذات الأرواح لغير ضرورة، ثم تجد بعد هذا الحديث يستعرض بجواله إمكانات الكاميرا والفوتوشوب، عبارة (أنك تكذب) تكاد تكررها بينك وبين نفسك عندما يرسل أحدهم عبارات تنكر الاختلاط الموجود في المجتمع المسلم، وما يراه من نشاطات هيئة الترفيه، ثم تجده بعدها بأشهر يفاخر بأن ابنته تم قبولها في البعثة لتعيش الاختلاط، بل والحياة اليومية في وسط مجتمع غير مسلم والمشرف على رسالتها (كافر)، عبارة (أنك تكذب) تكاد تكررها على مجموعة تستنكر فتح دور للسينما، وأنت تعرف أن هذه المجموعة لديها الدش بقنواته المتعددة، عبارة (أنك تكذب) تكاد تقولها لمن يحدثك عن ضرورة وجود المحرم لكل امرأة مسلمة إذا سافرت من مدينة إلى مدينة، وتكتشف أن عاملته المنزلية المسلمة حضرت له من أقصى الدنيا بلا محرم ولم يمنحها إجازة لأهلها منذ سنوات، عبارة (أنك تكذب) تكاد تقولها لمن يقوم بالتلاعب في أوراق ثبوتية عبر طمس وجه المرأة في صورة بطاقة الهوية الوطنية المدرجة ضمن أوراق معاملة رسمية، لأن ظهور الوجه حرام بغير خلاف عنده، ولا يطمس صورة وجه المرأة المسلمة في بطاقة الإقامة أو جواز السفر ضمن نفس المعاملة الرسمية، عبارة (أنك تكذب) تكاد تقولها لمن ينشغل بالدعوة للإسلام كل صيف في أوروبا، ولم يعرف يوما طريق الدعوة في أفريقيا السوداء، عبارة (أنك تكذب) تكاد تقولها لمن يصاب بالحرج أن يلبس العقال أو أن يأخذ من لحيته، ولا يصاب بالحرج أن يأخذ نصيب أخته أو أمه في التركة، أو بضعة أمتار من المال العام المجاور لأرضه، عبارة (أنك تكذب) تكاد تقولها لكل من يملك جوالا حديثا، وله حساب في تويتر وفيسبوك وسناب وغيرها من وسائل التواصل، ثم يحدثك بوقار مزيف وخشوع لزج عن أضرار الانفتاح والعولمة وفساد وسائل التواصل، كأنما يعيد عليك ما تعيشه بين اثنين يتكاذبان بالإنكار في التحريم لما يريانه في إحدى المسلسلات الأجنبية ثم يستشهدان بتفاصيل وردت في الحلقات التي تجاوزت السبعين حلقة، وقد شاهداها بلا كلل أو ملل، ويختمان حديثهما بالتحذير من هذا المسلسل، موصيين بعضهما بأن هناك مسلسلا قادما أخطر من سابقه تم الإعلان عنه، ولن يفوتا مشاهدته لاكتشاف المنكرات التي فيه!.


كل هذا التكاذب الاجتماعي سببه الفكر السروري الذي لا يهمه (الطهارة) أبدا، بل المهم عنده (ادعاء الطهارة)، وهذه تربيتهم في أبنائهم الذين تشربوها، هذه الأرملة السوداء المسماة الصحوة، جعلت الكل يعيش هذا التكاذب الاجتماعي، وقد تعرى هذا التكاذب عندما نجد من ينكر على الدولة في رؤيتها 2030 فتح مجالات العمل في القطاع الخاص للجنسين، علما بأن كل ما سمحت به الدولة يدخل في نطاق المباحات التي ليس فيها مجال فتوى لحلال أو حرام في كل بلاد العالم الإسلامي، ولكن الصحوة تمارس التكاذب الاجتماعي يدعمها في ذلك أجندة خارجية (تحرم في السعودية ما تحلله في تركيا)، تريد صنع بعض الهياج الذي قد يغتر به الحمقى، فالمسألة باختصار عائدة في الأصل لقرار كل أسرة سعودية، فما يراه مواطن أو مواطنة فرصة ممتازة لتوفير دخل كريم للحياة، قد لا يراه مواطن آخر أو مواطنة فرصة مناسبة، ولا ممتازة لتوفير الدخل، ويقع التكاذب الاجتماعي عندما يتوهم سروري أعمى أن له حق مصادرة القرار الخاص لكل أسرة سعودية في عمل أبنائها وبناتها، ويبقى قانون التكاذب ساري المفعول ما دام البعض يؤمن أن السرورية منهج شرعي له حق التدخل في قرار كل البيوت السعودية، ليرى السروري نفسه وصيّاً على ابنتك وزوجتك وأمك، فهو من يقرر شكل حجابها ولون عباءتها، بل ومتى مواعيد خروجها للسوق أو لأهلها، بل ونوع عملها، وطريقة كسبها، رغم أن هذه الأمور يحكمها نظام الدولة وليس العرف الذي يفرضه السروري زوراً باسم الدين، ويتطفل فيه بالحديث نيابة عن كل الشعب السعودي.


(والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب) عبارة يستحقها كل سروري ما زال يعيش وهم أنه محرم لكل نساء الشعب السعودي، ليضيق بكل مواطنة من الشعب تسافر بدون محرم، وتجد في منزله خادمة مسلمة تعيش معه في منزله بلا محرم لسنوات، وكل سروري يستنكر على شاب إسبال ثوبه الذي اشتراه بستين ريالا، ولا يستنكر على نفسه كبره وخيلاءه في البشت الذي اشتراه ببضعة آلاف من الريالات، وكل سروري يحدثك عن حرمة كشف الوجه، وأن المرأة كلها عورة ثم تضيع ساعات العمل معه وهو يحدثك بلا كلل أو ملل عن ثقافته العالية وفتوحاته، وكل سروري يستنكر على المرأة عملها في محل داخل السوق في شركة تجارية محترمة على نظام التأمينات الاجتماعية مع تأمين طبي لها ولأبنائها، ولا يستنكر عليها عملها في بسطة تحت الشمس بدون تأمين اجتماعي ولا طبي، أو حبيسة المنزل عاطلة عن العمل وفهم الحياة، وكل هذا يهون أمام موعظة يملؤها السروري بالدموع عن فضائل الزهد والإعراض عن زينة الدنيا وزخرفها، ونوع سيارته وتفاصيل منزله من الرخام إلى خشب السنديان المزخرف، إلى ثريا الكريستال كلها تصرخ في وجهه تكذب تكذب تكذب.
ختاما: يحدثونك عن المنافقين وصفاتهم، ولن ترى في حياتك أقبح ولا أبشع من نفاق يأتي على صورة مسجد ومصلين، وما العقلاء عن (مسجد الضرار) بجاهلين.

&