&فهد الدغيثر&

رفضت الحكومة الانتقالية في السودان قبل أيام استقبال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بعد اقلاع طائرته الخاصة من الدوحة وهبوطها في مطار الخرطوم في رحلة استمرت ست ساعات، عاد بعدها ليطير ست ساعات أخرى عائداً إلى الدوحة.


السبب المعلن، هو أن الوزير لم يأت بلا دعوة، وخالف أبسط القواعد الديبلوماسية التي تتطلب في العادة ترتيباً مسبقاً لزيارة كهذه. أما السبب غير المعلن، فهو أن السودانيين لا يريدون التعامل مع نظام قطر الغارق في إثارة الفتنة والجدل أينما حل.

قبل ذلك، وفي حالة مماثلة، تم الطلب من الوزير القطري مغادرة موريتانيا "فوراً"، لأنه قرر أن يحاضر أمام الحكومة هناك عن "الديموقراطية".

تفاجأت بعض دول العالم عندما أعلنت السعودية ودولة الإمارات ومصر والبحرين قبل أقل من عامين، مقاطعتها قطر وعزلها سياسياً وجغرافياً عن المنطقة. حينها، بذل وزير الخارجية الأميركي السابق ريك تيلرسون وليس البيت الأبيض، قصارى جهده لإعادة الأمور إلى ما قبل المقاطعة لكنه فشل. أما بقية دول العالم (غرباً وشرقاً)، فلم تتدخل في هذه القضية كونها قضية صغيرة وتخص منطقة ترتبط باتفاقات مشتركة.

من أصابه الذهول ولم يصدق سبب وضع دول المقاطعة تلك الشروط الصارمة وغير المسبوقة، بدا الآن مقتنعاً ومتصالحاً مع نفسه.

للتذكير فقط، وفي مناسبة اقتراب دخول مقاطعة قطر عامها الثاني في شهر حزيران (يونيو) المقبل، ربما نسي البعض تفاصيل تلك المقاطعة وشروط رفعها التي وضعت بعناية ودقة. ولا نعلم ما إذا كان سلوك هذه الدولة (قطر)، تسببّ أخيراً بوضع شروط إضافية جديدة. وتتضمن شروط رفع المقاطعة ما يلي:

أولاً: إعلان قطر رسمياً خفض التمثيل الديبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة للحرس الثوري الإيراني والمرتبطة به الأراضي القطرية. واقتصار العلاقة مع طهران على التعاون التجاري، بما لا يخلّ بالعقوبات المفروضة دولياً وأميركياً على إيران، وبأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى قطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران.

ثانياً: قيام قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.

ثالثاً: إعلان قطر قطع علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية والطائفية والآيديولوجية كافة، وعلى رأسها: "الإخوان المسلمين"، "داعش"، "القاعدة"، "فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، "حزب الله"، وإدراجها ككيانات إرهابية وضمها إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم والقوائم المستقبلية التي سيعلن عنها.

رابعاً: إيقاف أشكال التمويل القطري كافة لأي أفراد أو كيانات أو منظمات إرهابية أو متطرفة، وكذلك المدرجين ضمن قوائم الإرهاب في الدول الأربع وضمن القوائم الأميركية والدولية المعلن عنها.

خامساً: قيام قطر بتسليم العناصر الإرهابية المدرجة كافة، والعناصر المطلوبة لدى الدول الأربع، وكذلك العناصر الإرهابية المدرجة على القوائم الأميركية والدولية المعلّن عنها. والتحفظ على هؤلاء وعلى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة إلى حين تسليمهم. وعدم إيواء أي عناصر أخرى مستقبلاً، والالتزام بتقديم أي معلومات مطلوبة عن أي عناصر، خصوصاً تحركاتهم وإقامتهم ومعلوماتهم المالية وتسليم كل من أخرجتهم قطر بعد قطع العلاقات وإعادتهم إلى أوطانهم.

سادساً: إغلاق قناة "الجزيرة" والقنوات التابعة لها.

سابعاً: وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية، ومنع تجنيس أي مواطن يحمل جنسية إحدى الدول الأربع. وإعادة كل من تم تجنيسه في السابق بما يخالف قوانين وأنظمة هذه الدول، وتسليم قائمة تتضمن من تمّ تجنيسه وتجنيده من أبناء هذه الدول الأربع، وقطع العلاقات مع العناصر المعارضة للدول الأربع، وتسليم الدول الأربع كل الملفات السابقة المتعلقة بالتعاون بين قطر وبين تلك العناصر متضمنة الأدلة.

ثامناً: التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، على أن تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.

تاسعاً: أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على الصعد كافة (عسكريا، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً وأمنياً) بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي وقيامها بتفعيل "اتفاق الرياض" (عام 2013) و"اتفاق الرياض التكميلي" (عام 2014).

عاشراً: تسليم قطر قواعد البيانات الخاصة بالمعارضين كافة الذين قامت بدعمهم، وكذلك إيضاح أنواع الدعم الذي قدّم لهم.

الحادي عشر: إغلاق وسائل الإعلام كافة التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر، على سبيل المثال: مواقع "عربي 21"، "رصد"، "العربي الجديد"، "مكملين"، "شرق"، "ميدل إيست آي" الخ.. وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

ثاني عشر: هذه الطلبات يتم الموافقة عليها خلال 10 أيام من تاريخ تقديمها وإلا تعتبر لاغية.

ثالث عشر: يتضمن الاتفاق أهدافاً واضحة وآلية واضحة، ويتم إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.

في فرنسا، بدأت هذه الأيام مناقشات جادة لكشف الدعم القطري لبعض الجهات الإسلامية هناك وهو ما بدأ يتسرّب إلى وسائل الإعلام. وفي ليبيا، لم يعد خافياً دعم قطر للجماعات المسلحة ومحاولاتها التنصل من ذلك أخيراً. أما في بريطانيا، فتتم محاكمة مسؤولين متقاعدين في بنك "باركليز" بتهم خطرة بسبب الرشاوى التي دفعها البنك إلى رئيس الوزراء القطري آنذاك حمد بن جاسم آل ثاني. إلى ذلك، لم يستطع مجلس الـ "فيفا" العالمي حتى الساعة أن يخرج بأي تحقيق يبرئ المجلس السابق من تهم استلام الرشاوى القطرية. وهناك قضية مماثلة لبنك "باركليز" مع بنك "دوتشيه" الألماني، في طريقها للخروج إلى العلن.

كذلك، لن تصمت الأصوات الوطنية في الولايات المتحدة طويلاً عن سلوك قطر وتوظيفها داخل أميركا الكثير من الأفراد والسياسيين لغايات ربما تضر بالمصالح العليا للبلاد. بعض الجماعات المشبوهة المرتبطة بالـ"الإخوان" أصبحت تصرح بدعمها لهذه الجماعة الإرهابية، بل إن تورط قطر ورشاواها قد تطيح أو تضر بسمعة وكالات إعلامية ضخمة داخل الولايات المتحدة ممن كرست ساعاتها وجهودها للنيل من خصوم قطر والعمل الدؤوب على تلميع بعض الأحزاب والمنظمات المارقة في منطقتنا وإظهارها كـ"حمائم سلام".

وجدت قطر نفسها بعد المقاطعة تقع في أحضان تركيا وإيران. ولا أرى حاجة هنا إلى استعراض الأوضاع السياسية والاقتصادية لهاتين الدولتين؛ الأولى كيان خارج عن القانون والأخرى مؤدلجة وتعيش أحلام الماضي غير مكترثة بالشعب ولا بأحواله وتطلعاته.

أما اقتصادياً، فإن ثمن العزلة السياسية التي تعانينها قطر، يمكن قياسه في مؤسسة "طيران قطر" التي تجبرها البنوك الدائنة على الإفصاح، وكذلك الحالة البائسة التي يتم بها تشغيل "مطار حمد الدولي" في الدوحة والسياحة بشكل عام.

وبسبب خبرتها المتواضعة سياسياً، وتدني القدرة على استشراف الغد وتحدياته، ظنت قطر أنها تستطيع شراء أي شيء تريده وتسقط أي نظام شرق أوسطي بالمال. أقدمت الدوحة على مخالفات مالية هائلة لم تتوقع أن يقوم أحد بكشفها. لكن هذه الأيام، وما سيتبعها، تشكّل نقطة البدء في المحاسبة وملاحقة من أسهم في الرشاوى أو شراء الأسلحة للمنظمات الإرهابية أو مارس الغدر والخيانة ضد الأشقاء.

اليوم، ولو ببطء، نشهد انتهاء زمن المخدر ولحظة انحراف المؤشر القطري نحو الأسفل. ولا يمكن لأحد التنبؤ بالقاع الذي سيصل إليه. قلتها سابقاً وأكررها اليوم: إن الحالة القطرية تعتبر دسمة جداً لمادة العلوم السياسية وستتناولها جامعات العالم ومراكز البحوث في المقارنات بين نجاح بعض الأنظمة وفشل البعض الآخر. أجزم بأن هذا الإسهام الإيجابي أكاديمياً، يعتبر أهم وأعظم ما قدمته الحكومة المتهورة والمراهقة في قطر إلى العالم أجمع.