&فارس بن حزام&

على رغم انشغاله بأصعب مرحلة انتقاليه، بعث السودان بأول رسالة سياسية فوراً؛ مع التحالف في اليمن. وبذلك، قطع الطريق موقتاً أمام أي محاولات لدفع السياسة الخارجية إلى مسارات جديدة.


بقاء السودان مع التحالف، والحفاظ على دور مقاتليه في أرض المعركة، يفصح أن القرار لم يكن مناورة ولا ابتزازاً من الرئيس السابق، بل شراكة بين صناع القرار في الرئاسة والجيش، وإيماناً تاماً بسلامة المبادرة، على رغم المحاولات الحثيثة من "جرثومة الخليج" لإبعاد الخرطوم عن تحالف الرياض.

إن ما جرى في السودان من انتفاضة شعبية، استكمل بتسيد عسكري للمشهد - علّ وعسى أن يكون موقتاً- هو بمثابة إبعاد قطر وتركيا بما يمثلانه من فكر مؤدلج، عنوانه "الإخوان"، ومن أهدافه صناعة هوية توافق منهجه، وإن كان على حساب الدول والمجتمعات.

قرر المنتفضون والجيش إيقاف التمدد "الإخواني"، واختاروا الطريقة الصريحة، بإخراج قطر، تحديداً، من الباب. والآن، تحاول الدوحة العودة من النافذة، إذ لجأت إلى شن حملات مكثفة ضد المجلس العسكري، وبذل مساعي ديبلوماسية لتحريك الغرب ضد استخدام القوة لإزاحة الرئيس السابق، غير أن محاولاتها لم تجد صدى حتى الآن، خاصة بعد صدمتها من صرامة الجيش أمام تحركها داخل وزارة الخارجية، إذ رتبت الوزارة استقبالاً لوفد الدوحة، من دون استئذان المجلس الحاكم، فألغى الأخير الزيارة وعاقب من رتّبها.

تعرف الدوحة وأنقرة جيداً أن فقدان الخرطوم خسارة لا تعوض، ويمكن ملاحظة المشهد في الأيام الأولى للانتفاضة؛ خطاب قطري - تركي هادئ جداً، وحتى في الساعات الأولى لخلع الرئيس البشير، كان الارتباك عنوان المتابعة الخبرية. وبدا كل شيء مفاجئاً لهم، وخارج الحسابات المدروسة. و تعود الخسارة الفادحة إلى استثمار قطر على مدى سنوات طويلة في جماعة "الإخوان" في العالم العربي. وكان السودان ثاني أهم البلدان للجماعة بعد مصر. وتالياً، لحقت تركيا نفسها لتشترك في الاستثمار القطري، بعدما اشتد عود الرئيس أردوغان.

اليوم، يعيش البلدان قلقاً كبيراً من فقدان كل ما استثمراه. لنتذكر المشروع التركي الكبير في جزيرة سواكن على البحر الأحمر. وهي جزيرة تقابل ميناء جدة، ولها أهداف استراتيجية، منها أن تكون بمثابة مرسى الخلافة العثمانية. علماً أن السجال حول مصير الاتفاق بدأ مبكراً، بما ينبئ بمصيرها قريباً.

إن السودان الجديد المرتقب، لن يقاطع الدول انتقاماً من سياسية الرئيس السابق، بل سيسعى إلى إعادة صياغة علاقاته وفق المصالح المتبادلة، وليس وفق الأرضية الفكرية المشتركة، خاصة بعد ما بدا من امتعاض سوداني ضد سلوك هاتين الدولتين. وأمام السودان وقت لقراءة مصالحه أمام كل ما يحدث. لذا، ستجد تركيا ومعها قطر الترحيب متى اختارتا المسار الصحيح.

لكن التاريخ الحديث يقول لنا باللهجة الخليجية الدارجة: "عمر قطر ما تتوب"، أي أنها ستواصل مساعيها للعودة، وسلاحها النائم حالياً هو "الإخوان"، إذ كمنت الجماعة واستكانت انتظاراً لنتائج المرحلة الانتقالية.

شارك المقال&&&&