&عدنان كريمة


صادق البرلمان التونسي على قانون جديد لتحسين مناخ الاستثمار ودفع نشاط الأعمال، من خلال تبسيط إجراءات تنفيذ المشروعات، والتزام المؤسسات باعتماد الشفافية في معاملاتها مع الشركات الاستثمارية، وتقليص التراخيص والحد من الإجراءات البيروقراطية، ومعالجة مختلف المشكلات التي تعوق الاستثمار، إضافة إلى توفير حوافز للمستثمرين تشمل خفض الضرائب ومساهمة الدولة في إنجاز البنية التحتية للمشروعات الكبيرة.&
وتأتي هذه التسهيلات والحوافز، في وقت سجلت فيه تونس قفزة في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 26,5 في المئة إلى 968 مليون دولار في العام الماضي، وهي أعلى حصيلة تحققها منذ عام 2014، وسط توقعات بأن تجذب العام الحالي استثمارات بقيمة تناهز المليار دولار. مع العلم أن تونس تحتل المرتبة الـ80 بين 190 دولة في مؤشر ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي عام 2019، لكن هذه المرتبة لا تلبي طموح زياد العذاري وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، الذي أشار إلى أن بلاده تخطط لاحتلال موقع ضمن الخمسين بلداً الأولى عالمياً في تيسير ممارسة الأعمال في عام 2021. هل يمكن تحقيق ذلك؟


سبق أن تعرضت تونس لموجة هروب شملت الاستثمارات الأجنبية والعربية وحتى التونسية، خلال السنوات الأخيرة التي تلت الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير2011، ووفق معلومات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة أن 300 مؤسسة أجنبية غادرت البلاد وسببت بخسارة 40 ألف فرصة عمل، وتوجهت إلى بلدان منافسة لها مثل المغرب أو بلدان شرق أوروبا، بسبب سوء مناخ الاستثمار، والذي جعل حتى المستثمرين التونسيين مترددين في بعث مشاريع جديدة، فضلاً عن عدم تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار. وبما أنه لا يمكن مواجهة كل هذه التطورات السلبية، إلا بجذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل الاستثمارات المحلية مع زيادة إنفاق الدولة على تمويل المشاريع الاستثمارية، تتطلع تونس إلى تحسين مناخ الاستثمار، وتسعى لاستعادة ثقة المستثمر التونسي والعربي والأجنبي. وبما أن زيادة الاستثمارات الخارجية في العامين الماضيين، لم تنعكس إيجاباً على سعر صرف الدينار الذي تراجع بين 20 و30 في المئة، متأثراً بضغوط «السوق السوداء» التي قدر حجمها بنحو 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك ينتظر المراقبون تنفيذ إجراءات صارمة من قبل البنك المركزي للحد من نشاط الاقتصاد الموازي، والسعي لدى الاتحاد الأوروبي لإخراج تونس من «قائمته السوداء»، التي تضم الدول الأكثر عرضة لمخاطر عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والمعتمدة من المفوضية الأوروبية استناداً إلى توصيات مجموعة العمل المالي الدولية (غافي). وذلك لإعادة التوازن لمجموعة من المؤشرات الاقتصادية.


عندما أطلقت تونس مخطط التنمية 2016 - 2020، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج جديد للدعم المالي المشروط بقيمة 2,8 مليار دولار على مدى أربع سنوات (سبقه خط ائتمان بـ1,7 مليار دولار عام 2013)، على أمل أن يتضاعف النمو إلى 4 في المئة عام 2017، ثم إلى 4,7 في المئة 2018، ونحو 5 في المئة 2019، خصوصاً بعدما سجلت خطوات في مراحل الانتقال السياسي وتحقيق الديمقراطية، ولكنها تبدو لا تزال تحتاج إلى الكثير لتمكين الاقتصاد التونسي من استرجاع عافيته وتحقيق معدلات نمو مقبولة، في ظل استمرار التهديدات الإرهابية، وتفاقم العجز في مالية الدولة، وانخفاض الإنفاق الاستثماري على تمويل المشاريع التنموية، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها. وخلافاً لتوقعات الصندوق، سجل النمو 1,9 في المئة 2017، ونحو 2,5 في المئة في العام الماضي، وتهدف الحكومة إلى نمو يبلغ 3,1 في المئة العام الحالي. وهذا المعدل حال تحقيقه، يصفه البنك الدولي بأنه «متدن» لا يساعد في تحقيق تحسينات جوهرية على البطالة والفقر، والخلل الكبير في توزيع الدخل، وسط اتساع العجز المالي وعجز الحساب الجاري، ومع استمرار تونس بالاعتماد على الاقتراض لحل مشاكلها الاقتصادية، ونظراً لمستوى الدين الخارجي المرتفع والمتفاقم، وتعدد انعكاساته السلبية، فقد أصبح هذا الدين من أخطر معضلات الواقع التونسي.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية

&