&FINANCIAL TIMES

مارتن وولف&&

الساسة ذوو الشخصيات الجذابة يستميلون المحبطين من الناخبين، من خلال منحهم الدعم.
البعض من هؤلاء الساسة مستبدون. والبعض الآخر ربما كانوا بلا رحمة. بيد أن مناشداتهم التحذيرية عادة ما تكون مغرية. كيف ينبغي للداعمين لهم الاستجابة لها، سواء أكان أولئك الساسة من يمين الوسط أو من يسار الوسط؟
على الداعمين أن يدركوا أنهم في معركة ضخمة، فالأزمة المالية الهائلة بمذاقها المرير، أدت إلى تقويض الثقة بجميع النخب.&
علاوة على ذلك، مثلما كتب جوناثان سويفت، فإن: "ما هو باطل يطير أدراج الرياح، ثم تأتي الحقيقة بعده عرجاء".


ماذا كان سيصنع سويفت مع إعلامنا؟ مع ذلك، فإن الديمقراطية الليبرالية نجت من مواجهة التحديات الكبيرة في سنوات ما بين الحربين العالميتين والحرب الباردة.
مثلما يجادل توربن لفرسن وديفيد سوسكس في كتاب: "الديمقراطية والازدهار"، فإن عامل الاستقرار هو الرخاء المشترك على نطاق واسع.
من دون ذلك، يضيع كل شيء، خاصة عندما يتضاءل الإيمان بالديمقراطية.
إذن كيف نعيد حياة الأمل؟ أولا: هناك مسائل تتعلق بالقيادة. السياسة الديمقراطية ليست مجرد شراء الأصوات. إنها تتعلق بإقناع الناس.
ربما كان هناك ساسة عديمو الخبرة. وربما كانت هناك شخصيات مقيتة على نطاق واسع. بيد أن الفارق هو أن من ضمنهم هناك من يعرف كيفية تحفيز مؤيديه، لأنه يعرف كيف يروي القصة بصورة جيدة.
سياسي بلا إجادة ليحكي القصة مصيره الفشل. السياسيون العظماء دائما ما يكونون رواة جيدين للقصص، من بركليس في أثينا إلى فرانكلين روزفلت في واشنطن.
ثانيا: هناك مسائل تتعلق بالكفاءة. ومن المفارقة أنها تعد أقل أهمية، على الأقل في المدى القصير، بالنسبة إلى الديماجوجيين من اليمين أو اليسار.
إن سياساتهم هي المعارضة في الأساس، حتى عندما يكونون في السلطة، والتمكن المعرفي مطلوب على نحو أقل ضمن الساسة.
على أن على ساسة الوسط أن يعرفوا - ويظهروا معرفتهم - بما يقدمون من عمل. هذا مهم بشكل خاص بعد فترة وجيزة من ارتكاب قادة من هذا النوع أخطاء كبيرة، وأهمها الاعتقاد بأن الأسواق المالية مستقرة، أو أن الذين يشاركون فيها على دراية بما يفعلونه. مثل هذه الأخطاء أثبتت أنها كارثية.
ثالثا: هناك مسائل تتعلق بالوطنية. الديمقراطية تمثل مجتمعا من المواطنين. إن الإحساس بماهية حقوق المواطنين - والمتوقع منهم - هو أساس الديمقراطيات الناجحة.
من دون الفكرة القائلة إن المواطنين في المقام الأول، لا يمكن أن يكون هناك مجتمع وطني. في الديمقراطيات الحديثة، نجد أن مفهوم دولة الرفاهية هو تعبير عملي عن المواطنة.
كذلك هي أيضا السياسات التي تمنح جميع المواطنين فرصة المشاركة في الحياة الاقتصادية والاستفادة منها. يمكن للأجانب المشاركة بشكل مفيد أيضا.
من هنا، فإن ملف الهجرة يجب أن يدار دائما بحصافة، إذا ما أريد اعتبارها عادلة ومقبولة سياسيا.


رابعا: هناك مسائل تتعلق بالشمول. من اللافت للنظر أنه في أحد المقاييس المعروفة وهو "المعامل الجيني"، حيث إن عدم المساواة في دخول السوق ليس عاليا، في الواقع، وبشكل خاص في الولايات المتحدة.
بيد أن عدم المساواة في الدخول المتاحة، بعد الضرائب والإنفاق، أعلى نسبيا. هذه النتيجة، إذن، هي مجرد خيار سياسي.
خامسا: هناك مسائل تتعلق بالإصلاح الاقتصادي. مثلما يجادل بول كولير في كتابه: "مستقبل الرأسمالية"، وكولن ماير في كتابه: "الازدهار"، نحتاج إلى إصلاح الضرائب ونظام الشركات إذا أردنا إنشاء مجتمع ناجح اقتصاديا وأكثر شمولا.
من المهم بشكل خاص فرض الضرائب على الإيجارات وتشجيع مزيد من المنافسة. مثلما يجادل جوناثان تيبر ودنيس هيرن في كتابهما: "أسطورة الرأسمالية"، فإن تراجع المنافسة يمثل مصدر قلق كبيرا.
هذا لا يبرر الاقتصاد الاشتراكي: نحن نعلم أنه لن ينجح، لكنه يبرر ظهور أسواق أفضل.
سادسا: نأتي إلى المسائل المحلية. من المثير للاهتمام، أن هذا هو موضوع كل من كتاب كولير وكتاب جديد من تأليف راجورام راجان، المحافظ السابق للبنك المركزي الهندي.
كلاهما يتحدث عن المجتمعات. قرارات التفويض بينما تزود المجتمعات بالوسائل اللازمة لإعادة إحياء نفسها، إلا أنها، في المقابل، لابد من أن تكون جزءا من سياسة جديدة جيدة.
سابعا: مسألة الخدمات العامة، حتى لو كان الناس لا يحبون عادة دفع الضرائب اللازمة لخدمة تدعمهم. الخدمات الأكثر طلبا تختلف باختلاف البلدان. الفكرة التحررية في الدولة ذات التدخل المحدود، التي تترك كل هذا للسوق الحرة ما عادت غير عملية فحسب، بل هي أيضا غير متوافقة مع الديمقراطية.
ولذا، فإن لدى الساسة من تيار الوسط حجج قوية لصالحهم، عندما يدافعون عن الخدمات العامة التي يعتمد عليها الناس.
ثامنا: العولمة المدارة والتعاون العالمي أمران مهمان أيضا. لا وجود لدولة منعزلة بذاتها. نحن نعتمد على الأفكار والموارد والأفراد والسلع والخدمات من بلدان أخرى.
هذا صحيح حتى بالنسبة للبلدان الكبيرة جدا. إن الحجج الاقتصادية والسياسية والأخلاقية لقوانين مستقرة ومضمونة تحكم هذه التفاعلات، أصبحت أقوى الآن مما كانت عليه أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها بفترة وجيزة، عندما تم دمجها لأول مرة في نظام عالمي جديد. السيادة الوطنية مهمة إلا أنها ليست كل ما يهم. وذلك أكثر صحة بالنسبة إلى إدارة المشاعات العالمية. التعاون بين الدول ليس اختياريا هنا، إنما هو ضروري للغاية.


تاسعا: المسائل المتعلقة بالتطلع الى الأمام. نحن نعيش في عالم من الاضطرابات الكبيرة طويلة الأجل - ولا سيما تغير المناخ والذكاء الاصطناعي ونهضة آسيا.
على الحكومات الجيدة أن تنظر فيما قد تعنيه هذه الأشياء لشعوبها والعالم. إذا لم تستطع الديمقراطيات هضم هذا النوع من التفكير المستقبلي الناضج، فإن مآلها هو الفشل. وبالطبع، ستجادل الدولة الحزبية الصينية لصالح ذلك.
وأخيرا: فلنناقش مسائل تتعلق بالتعقيد. إتش. إل. مينكين الفكاهي الأمريكي العظيم، طرح مفارقة أن هناك: "ثمة إجابة واضحة وبسيطة وخاطئة، لكل مشكلة معقدة".
هذا ما يقدمه الديماجوجيون الجذابون. نصائح الخبراء يمكن أن تكون خاطئة بكل بساطة. إن لدى التكنوقراط سمعة يخافون أن يخسروها.
من المؤكد أن السياسة التي ترتكز على الغضب الشعبي والنزوات الاستبدادية ستفشل. والسؤال الوحيد هو كيف ينبغي الرد الصحيح؟
يكون ذلك عبر اختيار سياسة تضع الأمل أساسا مبنيا على الواقعية. هذا هو النوع الوحيد من السياسات الديمقراطية الذي يستحق التنفيذ.
هل سينجح في عالم اليوم؟ ربما لا. بيد أن أي محاولة لتنفيذ الشيء بصورة صحيحة، هي الطريقة الوحيدة لمنح العالم أفضل فرصة لتحقيق نتائج جيدة.