&أحمد الحناكي&

تعودنا في العالم العربي عندما نتحدث عن «القضية» فإن المقصود هو «القضية الفلسطينية»، فالاحتلال الصهيوني البغيض خلق من أفئدة كل العرب بل وكل إنسان ذي ضمير حي، «قناديل» مشتعلة تنبض بحب كامل الوطن العربي الفلسطيني، بكل بقعة دنّسها المحتلون، من القدس إلى غزة وحيفا وأريحا وغيرها.


لعل من المفارقات أو الغرائب أن العرب الذين تفرّق بينهم خلافات سياسية كالحدود أو مذهبية كالسنة والشيعة أو أي خلاف بكيفية التعامل مع قضايا أخرى، يتفقون على موقف موحّد تجاه القضية الفلسطينية وتجاه العدو المحتل، نابذين أي خلافات أخرى جانبية فيما يخص هذه القضية بالتحديد.

السؤال؛ هل هذا يكفي؟ هل أتقبل شخصا متطرفا أو إرهابيا أو موغلاً في «شوفينيته» لمجرد أننا نتفق على عدالة القضية الفلسطينية؟ طبعا «لا»، وفي المقابل صحيح أنني أحترم كل شخص أو نظام يقف بصف قضيتنا العربية الفلسطينية العادلة، غير أن هذا لا يجعل له مبررا أن يعيث فسادا أو عنصرية أو تطرفا.

عندما حدثت كارثة «يونيو 67م» التي تراوحت تسميتها بحسب الموقف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إذ إن هناك من أسماها «نكسة»، وآخر وسمها بالـ«هزيمة»، فيما اعتبرها البعض نهاية للجيش المصري، في حين أن هناك من عدّها هزيمة للعرب أجمع، على أن هذا الزلزال الذي حدث وحّد آنذاك أهم قوتين عربيتين؛ هما مصر والمملكة العربية السعودية، واجتمع الخصمان اللدودان الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز والرئيس جمال عبدالناصر في الخرطوم ليخرجا بعد ذلك المؤتمر «جسدين بروح واحدة»، ومن ذلك المؤتمر انطلقت تسمية القمة العربية الأشهر باسم «اللاءات الثلاثة»، بسبب خروج الدول العربية خلالها بثلاث «لاءات» وهي: «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض» مع الكيان الصهيوني قبل أن يعود الحق إلى أصحابه، وأعلن البيان الختامي لها التمسك بتلك المبادئ الثلاثة.

عام 73 الحرب الوحيدة التي انتصر فيها العرب عندما قام الجيشان المصري والسوري في 6 أكتوبر بمهاجمة الكيان المحتل، وقطعت السعودية ومعها الدول العربية المصدرة للنفط، النفط عن الدول الغربية احتجاجا على موقفها المساند للعدو الصهيوني، مع أن قطع النفط يعني من جهة أخرى أن تمارس لعبة «عض الأصابع»، أي من يصمد أولا، فالنفط هو مصدر الرزق الأساس للمملكة والدول الخليجية تحديدا، وفضلا عن ذلك من يدري آنذاك ما هو رد فعل الغرب العنيف لو استمرت المقاطعة؟

قاطعت المملكة الشقيقة الكبرى مصر عام 1977م بعد صلح كامب ديفيد، الذي ترتب عليه زيارة السادات التاريخية للقدس وإلقائه خطاب في الكنيست، وهو ما أحدث شرخا كبيرا في العلاقات العربية، وبالذات بين مصر والدول العربية الرافضة للزيارة ولتطبيع العلاقات، وأدى إلى ظهور مجموعة «دول الصمود والتحدي»، وهي جبهة أو حلف ضم كل من ليبيا وسورية والعراق ومنظمة التحرير وجمهورية اليمن الديموقراطية (اليمن الجنوبي قبل الوحدة مع الشمالي) تم تأسيسها في تشرين الثاني (نوفمبر) 1977، بناء على دعوة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي للوقوف ضد مخططات العدو الصهيوني في المنطقة في أعقاب إعلان الرئيس السادات أمام مجلس الشعب المصري في 9 نوفمبر 1977 استعداده للتوجه إلى القدس.

ماذا يعني كل ذلك؟ المؤكد أنه يعني الكثير ومنه التمسك بالقضية الفلسطينية وكذلك أن المزايدة على مواقف الدول الخليجية يجب أن يتوقف، وأن يتم بدلا من ذلك تكريس مفهوم وأهداف الجامعة العربية لجميع الدول وليس للدول الغنية فقط، والوقوف معها في أزماتها إن واجهت تهديدات خارجية، فمثلما عليها واجبات فإن لها حقوق.