&عمر سيف غباش&&

لاحظتُ أن جِدَالاً وطرحاً لادعاءاتٍ غريبة أخذَ بالظهور في الآونة الأخيرة، وقد تكرر مِراراً وتكراراً في الأوساط السياسية والدوائر الإعلامية الغربية، وظهر في عدة سياقات مختلفة، وسأسرد هنا ثلاثة أمثلة محددة للإشارة إليه وتوضيحه.

المثال الأول: الادعاء والجِدال الذي أثاره الرئيس أوباما حول تورط إيران في الشؤون الداخلية للعراق والتدخل الإيراني فيها، حيث قال «إنه من الضروري الاعتراف بوجود مصالح لإيران في المنطقة»، ومن الآثار الضمنية المترتبة عن ذلك أن تلك المصالح امتدت لتشمل أيضاً سوريا ولبنان، وأي مكان آخر يمكن أن تَدَّعي أنه يتماشى مع قيمها الثورية، وقد ترتب على هذا القول التلميح إلى احترام هذه المصالح والاعتراف بها بطريقة أو بأخرى.

المثال الثاني: الجِدال والادعاء الذي ظهر في سياق السياسة الخارجية لدولة قطر، فعندما قامت كل من: السعودية والإمارات والبحرين ومصر بالمطالبة بأن تُوقِفَ قطر تمويلها للإرهاب الدولي والحركات السياسية الراديكالية في الدول الأخرى، وأن تكف عن تقويض أمن واستقرار جيرانها، قام كثيرون في الغرب بتحريف هذه المطالب المشروعة بالادعاء أن دولة قطر قد طُلِبَ منها التخلي عن سيادتها وسياستها الخارجية، ويُفهمُ ضمنياً من هذا الادعاء أن أي عمل قامت به الحكومة القطرية كان يُعدُّ عملاً مشروعاً.

المثال الثالث: الجِدال والادعاء الذي يطرحه بعض الصحافيين الآن حول مطالب وزير الخارجية الأمريكي فيما يخص السياسة الخارجية الإيرانية، حيث طالبها بأن توقف تدخلها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، بما في ذلك تمويلها للميليشيات المتواجدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فقد تم توجيه النقد إلى أن هذه المطالب سيترتب عليها خسارة إيران «جميع مكاسب سياستها الخارجية» خلال السنوات القليلة الماضية، ومرة أخرى، فإن المعنى الضمني لهذا الادعاء هو أن أي مكاسب حققتها إيران سواء على حساب آلاف القتلى أو على حساب استقلالية الدول الأخرى هي مكاسب مشروعة.

ومما أسلفنا، نجد أن كل هذه الادعاءات متشابهة، حيث إنها تشترك بإمكانية إضفاء الشرعية على تدخل بعض الدول في الشؤون الداخلية للغير، دون أي تقيُّد منها بالمبادئ الدولية والتي في مقدمتها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

إنّ هذا الادعاء غريبٌ، ويكشف عن أمرٍ مثيرٍ للقلق في عالم السياسة الخارجية، فكيف يمكننا التعامل مع نخبةٍ من مفكري السياسة الخارجية الذين يرغبون بالمضي قدماً في طرح مثل هذا الادعاء؟ وفي هذه الحالة، هل يتوجب علينا أن نوضح الفرق بين السياسات الخارجية المشروعة وغير المشروعة؟