&البدر الشاطري&

وليام بيرنز اسم بارز في عالم الديبلوماسية الأميركية، تدرج في مناصب ديبلوماسية عدة لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً. وهو باحث في العلاقات الدولية يحمل شهادة الدكتوراه من "جامعة أوكسفورد" البريطانية. وشغل منصب نائب وزير الخارجية في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كأول ديبلوماسي محترف يحتل هذا المنصب. ويشغل حالياً منصب رئيس "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي".


ويعد كتاب بيرنز الذي صدر أخيراً بعنوان": القناة الخفية: مذكرات الديبلوماسية الأميركية وضرورة تجديدها" (The Back Channel: A Memoir of American Diplomacy and the Case for Its Renewal)، خلاصة تجربة هذا الديبلوماسي المخضرم الذي يعتبر نفسه عضواً رسمياً في المؤسسة الأميركية.

يقع الكتاب في خمسمئة صفحة وحاز على تقريظ من أساطنة الديبلوماسية الأميركية مثل هنري كيسنجر وجيمس بيكر وهيلاي كلينتون وآخرين. ويسعى بيرنز فيه إلى مراجعة التجربة والسعي لاستعادة مكانة الديبلوماسية في علاقات واشنطن بالعالم.

في مقدمة كتابه، يقف بيرنز كشعراء العرب يتباكى على أطلال الديبلوماسية الأميركية والتي تمثلت، وفق ر، في القصر المنيف الذي عقد فيه "مؤتمر مدريد للسلام" في عام 1991 برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. ولم يكن ذلك ليتحقق، لولا انتصار الولايات المتحدة في "حرب الخليج" الأولى لتحرير الكويت، وانهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة لصالح المعسكر الغربي وتوحيد الألمانيتين وصياغة نظام أوروبي جديد. حينها، تربعت واشنطن على عرش النظام العالمي الذي عرف بــ "اللحظة الأميركية". ولكن الأمل سرعان ما تبدد، وولجت مناطق عدة من العالم في فوضى بسبب تفتق العصبيات الإثنية كما في يوغسلافيا والأصولية الدينية وصعود قوى إقليمية تتحدى الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا. ويرى الكاتب أن سوء تدبير الساسة الأميركيين في استغلال الفرص لتشييد نظام دولي جديد، والتي انتهت في كارثة غزو العراق أدت إلى ما آلت إليه الأوضاع الحالية.

ويقول بيرنز إن الكتاب يهدف إلى "تسليط الضوء على كيفية حدوث ذلك، وكيفية تطور الدور الأميركي. ويضيف: "أتمنى أن أساعد في توضيح القناة الخفية لمهنتي، ووضع النقاش من أجل الديبلوماسية في ضوء السجال العام. أتمنى أن أعرض لماذا تهميش الديبلوماسية مسالة مأسوية، وأن إعادة ترميمها غاية في الأهمية".

وينتقل بيرنز إلى تنشئته كديبلوماسي، بدأ اهتمامه بالعلاقات الدولية عندما حصل على منحة لدراستها في "جامعة أوكسفورد" العريقة وأنجز أطروحة دكتوراه عن المساعدات الأميركية لمصر الناصرية. وبدأ اهتمامه منذ ذلك الحين بالشرق الأوسط، إلى أن أشار عليه أحد زملائه بالتقدم لوظيفة ديبلوماسي في وزارة الخارجية. وهكذا حصل على الوظيفة وانتقل للعمل في الأردن. لكنه تمرس في هذا المجال خلال عمله في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، إذ انخرط في قضايا عدة أكسبته الكثير من الخبرات التي يحتاج إليها كل أي ديبلوماسي يعمل لصالح دولة عظمى.

عاصر بيرنز الكثير من الأزمات التي اجتاحت الشرق الأوسط والخليج العربي، بدءاً من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وبدء الحوار معها بعد اعترافها بإسرائيل، وصولاً إلى العملية الإرهابية التي أدت إلى تفجير طائرة "بان أميريكان" أم فوق لوكربي واتهام ليبيا بالضلوع فيها.

وعلى رغم تعليمه الأكاديمي المميز وتدربه على يد المؤرخ اللبناني -البريطاني الكبير ألبرت حوراني ومعرفته بالمنطقة، إلا أن نهجه المعرفي لا يختلف عن النظرة السائدة في الغرب عن العالم العربي. فعلى سبيل المثال، يذكر الكاتب أنه غير مقتنع بأن العراق هاجم الفرقاطة "يو إس إس ستارك" في عام 1987 بالخطأ. كما يؤكد أن المدمرة "يو إس إس فینسنس" هاجمت الطائرة المدنية الإيرانية بغير قصد في عام 1988، من دون تقديم دليل واضح على الادعاءين.

ويرى بيرنز أن العصر الذهبي للديبلوماسية الأميركية كان تحت قيادة جيمس بيكر الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد جورج بوش الأب (1989-1992). ويعتقد الكاتب أن بيكر كان "رجل الساعة"، حين شهد العالم مولد النظام العالمي الجديد تحت قيادة الولايات المتحدة. ولا يخفي بيرنز إعجابه بحصافة الوزير الذي استطاع يبحر بمهارة في عباب الأمواج المتلاطمة. وليس أدل على ذلك، من إدارته للتحول الذي كان يحصل في الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي. إذ استطاع بيكر الإمساك بالفرصة السانحة لتشكيل العالم انطلاقاً من الرؤية الأميركية التس استغلها، على رغم تحفظ الآخرين في الإدارة، لتحقيق الوحدة الألمانية والحفاظ على ألمانيا عليها كعضو في "حلف الأطلسي". علمأً ان الانتصارات التي حققتها واشنطن في أوروبا مع بداية انهيار "حلف وارسو"، بل والاتحاد السوفياتي، ركزت الانتباه على القارة العجوز. ولكن الغزو العراقي للكويت في آب (أغسطس) 1990 أعاد انتباه الولايات المتحدة إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط. وكان بيرنز حينها يعمل في قسم تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية. وشارك في كتابة مذكرة حول كيفية التعامل مع أول "أزمة بعد الحرب الباردة"، أوصت المذكرة بضرورة الإصرار على "الانسحاب العراقي الكامل من الكويت، وإعادة حكومة الكويت الشرعية إلى السلطة". وأوصت المذكرة بالضغط السياسي والاقتصادي على العراق للانسحاب الكامل، وان لم يستجب يتحتم إجباره بوسائل عسكرية.

وما يجب ذكره هنا، ن الكاتب يرى الأمور من وجهة نظر أميركية، دون محاولة فهم الآخر ودوافعه، على رغم انخراطه في العمل الديبلوماسي لعدة عقود. كما لا تتبدى شخصيته كباحث في سطور الكتاب، على رغم تعليمه النخبوي في إحدى أرقي الجامعات البريطانية. فعلى سبيل المثال، لا يرى الكاتب غضاضة في تعامل بيكر مع طارق عزيز، وزير خارجية العراق أيام حكم صدام واجتماعه به في جنيف قبيل الحرب. ويرى أن الطرفين فوتا فرصة التوصل إلى حل سلمي، يبدو أن الولايات المتحدة لم تكن تسعى إليه في كل الأحوال.

وبسبب المكتسبات الاستراتيجية التي حققتها الولايات المتحدة بخروجها منتصرة في الحرب الباردة والحرب على العراق، استطاعت أن تلج عملية السلام بين الدول العربية وإسرائيل. وهكذا كان "مؤتمر مدريد" الذي جسد تربع الولايات المتحدة على عرش النظام العالمي. ويقول الكاتب إن الغرض من عقد المؤتمر لم يكون التوصل إلى حل سلمي بين الدول العربية وإسرائيل، ولكن، وفق وجهة نظر بيكر، "استخدام النفوذ الأميركي قبل أن يتبخر لإطلاق عملية تجمع الإسرائيليين مع الأطراف العربية كافة في مفاوضات مباشرة"، لعل ذلك يفضي في المستقبل إلى اتفاق بين الفرقاء. ومع أن بيرنز لا يبوح بذلك صراحة، إلا أن كلامه يكشف أن الهدف من المسيرة السلمية لم يكن إيجاد تسوية عادلة للصراع، بل إدارته حتى لا تأثر على المصالح الأميركية في المنطقة، ومن ضمنها أمن إسرائيل.

وبالنسبة إلى وضوع العلاقات مع موسكو بعد انتهاء الحرب الباردة، يكشف بيرنز أن واشنطن كانت تسعى إلى تعزيز الإصلاحات التي يقودها الرئيس الأسبق بوريس يلتسين لإدخال اقتصاد السوق والتعددية السياسية. ويقول الكاتب: "إذا أردت أن تفهم المظلمة، وعدم الثقة، والعدوانية الحانقة لروسيا بوتين، عليك أولا فهم الإحساس بالإذلال والكبرياء المجروحة والاختلال" الذي عانته روسيا في عهد يلتسين. ويكشف عن برقية أعدها عندما كان يخدم في سفارة بلاده في موسكو، يقول فيها إن "شهر العسل بين واشنطن وموسكو انتهى بسبب توسع حلف الأطلسي إلى حدود الاتحاد السوفياتي السابق وتمدد مجال نفوذه في شرق أوروبا والإخلال بالوعود المقطوعة بعدم القيام بذلك من قبل الإدارة السابقة. ولا يعطي بيرنز سبباً لتصرف واشنطن بهذا الشكل، على رغم أن سفارة بلاده في موسكو حذرت من مغبة تمدد الحلف شرقاً.

وفي أول منصب شغله كسفير للولايات المتحدة، عين بيرنز سفيراً في العاصمة الأردنية عمان، وهو المكان الذي بدأ منه كديبلوماسي صغير في ثمانينات القرن المنصرم. وهكذا، شهد الكاتب التحول الكبير الذي سيشهده الأردن بعد توقيع السلام مع إسرائيل والذي ربما كفر عن وقوف الملك حسين مع صدام إبان غزو الكويت. ولا يخفي بيرنز إعجابه بالملك حسين وبنفوذ الولايات المتحدة تجاه الأردن. وهو اطلع كسفير حينها على كثير من التجاذبات المتعلقة بتعيين خلف للملك حين ألم به مرض عضال، وبات شفاءه مستحيلاً. ويقول إن استقرار الأردن مهم لأمن إسرائيل وللآمال المتعلقة بالسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ولا يحلو الحديث عن الأردن من دون التطرق إلى المسيرة السلمية، إذ عاش الكاتب محاولة الرئيس بيل كلينتون التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي -الفلسطيني. ويقول أن معالجة الأخير لمسار تلك المفاوضات اتسم بشيء من الإنصاف. وبعكس إدارة كلينتون ووزيرة خارجيته آنذاك مادلين أولبرايت، فإن الكاتب لا يلقي اللوم كاملاً على ياسر عرفات في فشل المفاوضات الماراثونية في كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك في صيف العام 2000. ويكشف كسفير في الأردن، شجع الإدارة الأميركية على ان تأخذ زمام المبادرة وتتقدم بمقترح لحل النهائي للصراع. وفعلا تقدمت واشنطن بما عرف بـ"معايير كلينتون" كإطار عام للحل النهائي. ولكن تأخر المبادرة، والتي جاءت في نهاية عهد كلينتون، لم يسمح بأن تأتي أكلها. ومع قدوم إدارة جورج بوش الابن الجديدة في كانون الثاني (يناير) 2001، وتعيين كولن باول وزيراً للخارجية، تقلد الكاتب منصباً مهماً كمساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. وعندما قبل بيرنز المنصب لم يدر في خلده مدى التورط الأميركي في الشرق الأوسط وما كان ينتظره. ذلك أن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، أطلت برأسها الشنيع بعد خمسة أشهر من استلامه منصبه الجديد.

ويقول الكاتب إن العقلية التي تسيّدت بعد أحداث 11 أيلول الإرهابية، قلبت الموازين، إذ تقدمت الحرب على الديبلوماسية. وتركت هذه المعادلة جراحاً لن تندمل في منطقة الشرق الأوسط؛ وأضرت أيضا بدور الولايات المتحدة في العالم. ويشير الى أن المحافظين الجدد استغلوا الاستعداد النفسي للانهماك في حرب ضد الإرهاب العالمي بتنفيذ أجندة التغيير في العراق. ويقر الكاتب بفشل الخارجية في منع وقوع الحرب وسعيها إلى محاولة خوضها بطريقة ذكية بدلاً من طريقة بلهاء. ويكشف بيرنز أنه حين حاول إقناع البيت الأبيض بالحصول على الشرعية الدولية لشن الحرب على العراق، رد عليه نائب الرئيس ديك تشيني: قائلاً إن "الشرعية الوحيدة التي نحتاجها تأتي على ظهر دبابة أبرامز M1A1".

ويكشف بيرنز أنه مع الاستعدادات للحرب على العراق، اشتد النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بسبب ضيق أفق المفاوضات بعد وصول شارون إلى سدة الحكم، وشن هجمات انتحارية على مدنيين إسرائيليين في عام 2002. لتعلن إسرائيل الحرب ليس على الانتحاريين الفلسطينيين فحسب، بل على السلطة الفلسطينية، وياسر عرفات بالذات، الذي حوصر في مقر إقامته في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله. ويشير إلى أن الشغل الشاغل لواشنطن حينها كانت مرتكزاً على غزو العراق على رغم دعوات الخارجية وبيرنز إلى الانتباه للقضية الفلسطينية.

ويتحسر الكاتب على الأوضاع التي سادت واشنطن وعدم استطاعته تغيير توجه البلاد إلى حرب كارثية في العراق. ويتساءل عما إذا كان بإمكانه فعل شيء لمنع وقوع الحرب؟ وما إذا كان مقتنعاً بمبدأ الإطاحة بصدام حسين بسبب وحشية النظام؟ وما إذا كان عليه أن يستقيل حتى تحيد البلاد عن المسار نحو الهاوية. وهنا يعترف بيرنز بأن إخلاصه وتقديره لكولن باول منعاه من الاعتراض بشكل أكبر على السياسة المتجهة نحو الحرب. ولا ينكر المنطلق الأناني لقبوله بواقع التوجه لخوضها، إذ يقول إن مستقبله الوظيفي وعدم سهولة ترك مهنة عشقها بإخلاص، واستثمر فيها 20 عاماً من حياته، كانا سبباً في موقفه.

ولعل الإحباطات من الوضع في الشرق الأوسط بعد حرب العراق وفشل المسيرة السلمية، جعلا الكاتب يختار ميداناً آخر غير الشرق الأوسط. ومع نهاية الفترة الأولى من عهد بوش الابن 2004، عرض وزير الخارجية المنتهية ولايته، كولن باول، سفارة إسرائيل على بيرنز. ولكنه أبى، وآثر أن يعمل سفيراً في موسكو. وكان له ذلك.

ويتحدث بيرنز عن العلاقات الأميركية - الروسية خلال فترة تواجده في موسكو بكثير من التفهم والتعاطف. وعلى رغم أن نظرة الكاتب تبدو نقدية إلى مجمل العلاقات مع روسيا وثقافتها السياسية السائدة، إلا انه يحاول تفهم دوافعها، وخاصة الحالة النفسية التي كانت القيادة الروسية تعانيها بعد فقدانها وضعها كقوة عظمى مقابل الولايات المتحدة. ويشير إلى عقد عدة في العلاقات بين البلدين بسبب قضايا كثيرة، وبسبب وجود شخصية مثل فلاديمير بوتين على قمة السلطة، واصفاً الرئيس الروسي بأنه يرتاب من توسع النفوذ الأميركي في الحديقة الخلفية لبلاده. ويقول إنه كانت لدى بوتين رغبة جامحة لاستعادة مكانة روسيا العالمية. ويكشف بيرنز أن بوتين أنذره ذات مرة قائلاً: "لا تعتقد أنه لن يكون لدينا رد فعل تجاه التدخلات الخارجية". وقد بلغت العلاقة بين البلدين أسوأ درجاتها مع اشتعال حرب جورجيا والتي جاءت مع نهاية ولاية بوش الثانية في عام 2008. ولا يتساءل الكاتب عن دوافع الولايات المتحدة في التمدد والتدخل في بقاع العالم كافة من دون مسوغ واضح.

ومع أفول إدارة بوش لاحت لبيرنز فرصة جديدة للعب دور أكبر في السياسة الخارجية، فكان تبوأ منصب وكيل الوزارة للشؤون السياسية والذي يعتبر ثالث أرفع منصب في الخارجية الأميركية. ومع الدور الجديد، توسعت مشاغل بيرنز واهتماماته في العالم. وعند تعيين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية في إدارة الرئيس باراك أوباما، أبقت بيرنز في منصبه. وعلى ما يبدو فإن الكاتب يكن احتراما كبيراً للوزيرة التي عمل معها في وئام.

ومع التوجه الجديد للرئيس أوباما الذي أعلن صراحة أن على واشنطن أن تغير أولوياتها باستخدام الديبلوماسية قبل القوة، بات دور الخارجية يحظى بأهمية ودور أكبر على عكس ما كان عليه في الإدارة السابقة. ويقول بيرنز إن إدارة أوباما في السياسة الخارجية حظيت بكثير من التنسيق بين المؤسسات ذات الصلة ولكنها عانت مركزية شديدة. وعلى رغم أن اتخاذ القرار كان يتسم بكثير من الحصافة والروية، إلا أن إدارة أوباما أبطأت عملية اتخاذ القرار، وبدا وكأنها تعتمد وسيلة للتسويف أو تفادي اتخاذ قرار في بعض الشؤون.

ويتحدث الكاتب عن نجاح إدارة أوباما في توطيد العلاقة مع الهند، وكيف استطاعت المناورة في المؤسسات الدولية ومع الكونغرس لتوسيع التعاون النووي مع الهند. ويشير إلى أن جهود إدارة أوباما لم تقتصر على الهند، إنما سعت إلى التحول نحو الشرق وإعادة التوازن في المنطقة مقابل التوسع الصيني. وليس أدل من ذلك أن الوزيرة كلينتون خصصت زيارتها الخارجية الأولى إلى آسيا.

ويكشف بيرنز أنه بعد "الربيع العربي" في عام 2011، طلبت الوزيرة كلينتون منه أن يصبح نائباً لوزير الخارجية وهي أول مرة يصل فيها ديبلوماسي أثناء خدمته إلى مثل هذا المنصب الرفيع. ويشير الكاتب إلى أنه انخرط في معالجة الوضع المتفاقم في العالم العربي. ويرى أنه منذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، "أصبحت مصر محور الاستراتيجيا الأميركية في الشرق الأوسط". ويقول: "كانت استراتيجيا البيت الأبيض في التعامل مع أحداث الربيع العربي، تتلخص في إدارة الانتقال السلمي للسلطة مع مراعاة المصالح الأميركية وخاصة في ما يخص إسرائيل".

وعلى رغم أن الكاتب لا يخفي تعاطفه مع ثورة الشباب وطموحهم في هذه الأحداث، إلا انه يؤكد محدودية واشنطن في التأثير على مجريات الأمور في المنطقة؛ وبهذا ينفي ما يتردد في العالم العربي عن دور أميركي في اصطناع هذه الانتفاضات. وكذلك المسألة المتعلقة بـ "الإخوان المسلمين" والتي يؤكد إنه تدل على الريبة المتبادلة بين العرب وواشنطن. ولكن بيرنز يعترف بأن ليس صحيحا أن الولايات المتحدة لم تكن على صلة بتيارات الإسلام السياسي، فالمؤتمرات المتعددة كانت تعقد تحت رعاية "مؤسسة بروكينز" في واشنطن، كما أن الدوحة جمعت الكثير من التيارات الإسلامية والمسؤولين الأمريكيين أمثال مارتن أنديك.

ويفرد الكاتب فصلاً كاملاً عن المفاوضات النووية مع إيران. ولكنه لا يورد الكثير من التفاصيل حول محورية المفاوضات السرية في عُمان بين الولايات المتحدة والتي سرعت مفاوضات الـ "خمسة زائد واحد"، وأفضت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. ويذكر أن كثيرين من المنتقدين حاولوا تشويه الاتفاقية على أساس أنها "تقيد طموح إيران النووي ولكنها تمكنها من إثارة المشاكل الإقليمية"، إلا أنه يمتدح الجهود التي بذلت لأن الولايات المتحدة توصلت إلى مبتغاها واستطاعت أن "تتجنب الطريق المحتمل إلى الحرب".

ويختم بيرنز كتابه بالدعوة إلى إعطاء الديبلوماسية دوراً أوسع في السياسة الخارجية، لافتاً إلى أنها يجب أن تكون الملاذ الأول في صنع هذه السياسات، على أن يتم جعل الحسم العسكري الملاذ الأخير. ويشير إلى أن الواقع يقول إن الديبلوماسية هي عنصر من عناصر القوة بالنسبة إلى جميع الدول. ولكن السؤال الأهم يتعلق بدور الولايات المتحدة في النظام الدولي، وكيف ينبغي أن يكون؟ ويشدد على ضرورة الإجابة عن هذا السؤال "لأن ظاهرة الرئيس الحالي، دونالد ترامب ما هي إلا رد فعل على سبعة عقود من الليبرالية والهيمنة الدولية التي سيطرت على سياسة واشنطن الخارجية".

&