& مكرم محمد أحمد

&

استغرب من حديثنا المتكرر عن الصناعة، ومن الدراسات والأبحاث التي تؤكد أن مصر تملك من إمكانات الصناعة وأدواتها ما يمكنها من أن تكون أفضل حالاً، خاصة أن التنمية الصناعية وحدها هي التي تمكن مصر من إحداث نقلة نوعية في حياتها، لأن التنمية الزراعية بطبيعتها لا تحقق معدلات نمو عالية ويدخل في حسابها عوامل طبيعية يصعب التحكم فيها.

وما يثير الدهشة أننا نتحدث عن الصناعة المصرية، بينما لا ننتج دراجة هوائية أو نارية مصرية أو حتى مضخة مياه ترفع المياه إلى الأدوار العليا، ونعتمد في ذلك على الاستيراد الذي يستنزف المليارات من العملات الصعبة.

وأكاد أقول إن البيروقراطية المصرية تنحاز إلى التجارة على حساب الصناعة لأسباب عدة لا تسر يسهل عدها، ويتساوى في هذا الهم جميع المشتغلين بالصناعة في القطاع الخاص والاستثمارات الحكومية، ويمكن أن نضم إليها المصانع الحربية التي يكاد يكون إسهامها في الصناعة المصرية المدنية جد محدود رغم إمكاناتها العالية ورغم تنوع هذا الإسهام، ولا أعرف حتى الآن وجه الصعوبة في أن ننتج مضخة رفع مياه أو دراجة أو مجرد محرّك بسيط ذي قدرة محدودة.

وأعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أشار إلى هذه القضية مرات عدة، ولا أظن أن الحال الراهن وصورة الصناعة المصرية الآن تسره أو تسعده، ويقيني أننا لو أطلقنا للقطاع الخاص حرية العمل في مجالات الصناعة وشجعناه على دخول هذا المعترك الصعب فسوف يحقق المعجزات.

وما يملأني يقيناً بهذه الحقيقة حجم الإنجاز الكبير الذي حققه القطاع الخاص المصري في مجالات صناعية برزت فيها ورش مصرية، تمكنت من صنع جسم السيارة والأوتوبيس بل إن بعض هذه الورش يملك الآن حق المعرفة «النوهاو» لعدد من هذه الصناعات التي تحمل أسماء مبدعيها.

لقد نجح القطاع الخاص المصري في أن يقود عملية التنمية وهو الغالب والمسيطر على قطاع التنمية الزراعية، ودليلي على ذلك ما حدث ويحدث حول طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي الذي تحول معظمه إلى زراعات مهمة تلبي طلب مصر المتزايد على الطماطم والموالح وعديد من زراعات الفاكهة والخضر تحتاجها السوق المصرية، ويمكن إنتاجها بأسعار معقولة تسهم في التخفيف عن كاهل الأسر المصرية. وإذا كنا قد اهتممنا في فترة ما بحصر قدرات مصر الصناعية حصراً دقيقاً مسجلاً.

فالأمر المؤكد أننا لم نبدأ حصر إنتاج القطاع الخاص المصري من الصناعة أو ورشه العاملة في هذه المجالات، ولست أظن أن لدينا حصراً بها، ولست أشك في أن مصر تملك فريقاً نادراً من الخبراء الذين يمكن أن يكونوا عُمداً لهذه الصناعة المتنوعة.

وما لم نبدأ الآن فسوف نكون متأخرين عن أمم وشعوب حققوا في المجالات الصناعية تقدماً يُذكر، وربما أخُص بالذكر تركيا التي بدأ اهتمامها بالإنتاج الصناعي منذ أن نجح السلطان سليم في جمع المهرة المصريين من أرباب الحرف والصناعات وأخذهم إلى تركيا كي ينهضوا بهذه الحرف والصناعات من العدم. وما أود أن أؤكده باختصار حقائق أساسية ثلاث، أولاها: أن الصناعة وحدها هي التي تمكننا من تحقيق معدلات تنمية عالية يمكن أن تصل إلى 10 % ويزيد، ثانيها:

أن قدرات القطاع الخاص المصري في المجال الصناعي متعددة وكثيرة ومن الضروري حصرها سواء على مستوى الإمكانات أو على مستوى الخبرات والمهارات. ثالثها: أنه لا يليق بمصر أن تعجز حتى الآن عن إنتاج دراجة أو مضخة رفع مياه، وإن كان من المؤكد أن واحداً من الأسباب الرئيسية لهذا العوار انحياز البيروقراطية المصرية إلى التجارة على حساب الصناعة لأن «العملات» تشكل أكبر حوافز هذا الإنجاز ودوافعه.

&