كمال بالهادي

بعد موجة ربيع الخراب العربي، تشكل مزاج شعبي عربي عام لا يرى حلولاً للخروج من أنفاق متاهات الديمقراطية المجلوبة حيناً على ظهور الدبابات وأحياناً أخرى على ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والغرف المظلمة لتوجيه العقول والتحكم فيها، سوى في البزّة العسكرية، التي باتت على ما يبدو الملاذ الآمن وجدار الصدّ الأخير من ويلات الإرهاب والجوع والفقر..

ففي تجارب الدول العربية التي عاشت تجربة 2011، بإسقاط النظام القائم واستبداله بأنظمة أخرى عاجزة ومشلولة ومشوهة، تشكلت قناعة لدى عموم المواطنين وعلى الرغم من تفاوت الآراء والتقييمات، بأنّ مفهوم الدولة ووحدتها وصيانة مؤسساتها لا يمكن أن تكون حمايتها إلا بوجود جيش قوي، إن لم يكن يحكم مباشرة، فهو قادر على التدخل عند الحاجة لتصويب الأمور ولإنقاذ الموقف. وعلى الرغم من أن عمليات الانتقال الديمقراطي تتفاوت من دولة إلى أخرى، لكن حتى في الدول التي نجحت فيها عملية الانتقال السياسي من دون حروب أهلية وبأخف الأضرار، مثل تونس، فإنّ المزاج العام يُبقي الجيش

في مرتبة أرقى وأسمى من كل الطبقة السياسية، ويمكننا الجزم بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تحظى بالثقة التامة من قبل التونسيين لمعرفتهم أن الجيش يعني التضحية والعمل والاستقلالية عن الأحزاب السياسية المتناحرة، والتي عجزت عن تأمين الحد الأدنى من الخدمات، ولعل أزمة انقطاع المياه كانت القطرة التي أفاضت الكأس في علاقة الشعب بالحكومة وبالطبقة السياسية المتحكمة في القرارات منذ 2011.&
في الحالة المصرية، كانت ثورة الثلاثين من يونيو / حزيران خير دليل على أن المصريين لم يجدوا في حكم «الإخوان» وفي ديمقراطية الربيع العربي ما يطمحون إليه، ولعل خلع قائد الجيش الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للبزة العسكرية وقيادته الدولة بلباس مدني، لم تجعله يتخلى عن فلسفة الجيش وأنظمته وضوابطه وأخلاقيات عمله، ولعل الإنجازات والمشاريع الكبرى التي نفذها المصريون على يد جيشهم، وبقرارات سيادية من رئيس قادر على ضبط الأمور بسرعة فائقة، هي التي جعلت مصر تحقق إنجازات عملاقة في ظرف وجيز، ولعله من أهمها العاصمة الإدارية الجديدة والفرع الثاني لقناة السويس، وأكبر جسر على نهر النيل، وغيرها من المشاريع العملاقة التي ستغير وجه مصر في المستقبل. صحيح أن التحديات كبرى، لمواجهة الفقر والأمية والبطالة، لكن العمل بهذه الوتيرة، سيجعل مصر تعود إلى ألقها، وسيتمكن المصريون من تجاوز عتبات التخلف لبلوغ مراتب الدول المتقدمة. ووحده الجيش هو القادر على وضع قطار التنمية على السكة الصحيحة، وهذا ما لم يتحقق في التجارب الأخرى.&
من ليبيا إلى الجزائر إلى سوريا وإلى السودان، باتت البزة العسكرية هي صمام الأمان، فالجيش الليبي الذي يخوض حرباً هوجاء ضدّ المجاميع الإرهابية، أعاد الاستقرار إلى بنغازي وإلى عموم مدن الشرق الليبي، وفتح المطارات وأعاد الحياة، بعد أنّ خلّص الشرق من «الغربان السود»، فيما لا تزال العاصمة طرابلس تئن تحت وطأة حكم الغربان والميليشيات، وما زالت المدينة غارقة في حكم الفوضويين، وأهلها ينتظرون ساعة الخلاص والتحرير، وهي قادمة لا محالة. وستسقط أوكار الإرهابيين على أيدي قوات الجيش الليبي في طرابلس الغرب، كما ستسقط آخر معاقلهم على أيدي الجيش السوري في إدلب، وتنتهي حقبة سوداء، عانى منها الشعب السوري كل أصناف الويلات.&

تطهير سوريا وتطهير ليبيا، وتطهير كل الدول العربية التي أصيبت بلعنة الإرهاب والخراب والتفقير والتهجير وبكل السوءات التي تحقق نبوءة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد بإعادة العراق إلى العصر الحجري، والتي يبدو أنه وقع تعميمها على الشعوب العربية، لم ينجح إلاّ بخلع الديمقراطية المزيفة وارتداء البزة العسكرية، بزّة الشرف والعمل الجدي والانضباط، ولن تتحقق أماني الخروج من هذه الورطات إلاّ بعقلية التضحية وبعقيدة الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر التي هي عقيدة حاملي السلاح النظاميين.&
إن البناء الحقيقي وكسب معركة النهوض والتقدم، لا يتحققان بالأماني بل بالعمل والجدية، والانضباط وهذه قيم لا تتوفر في ديمقراطية الفوضى.

&