& علي محمد فخرو

حاولت عبر السنوات القليلة الماضية فهم أسس وتركيبة ومنهجية عقلية بعض الكتاب والإعلاميين في بعض بلدان الخليج العربي، وذلك من خلال محاولة فهم كتاباتهم ورسائلهم التي يرسلونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ولأنّ عقلية الإنسان محكومة بمبادئ من مثل العدالة والمساواة والحرية وبقيم من مثل الموضوعية العلمية في النظر للأمور والتعاضد الإنساني في النظر لرزايا ومآسي الآخرين والالتزام بثوابت تهمّ الأمة، فقد حرصت على أن أفتّش عن نوع المبادئ والقيم التي تضبط تصريحات وكتابات ورسائل ذلك النّفر من المثقفين.
تبيّن لي أن المبادئ والقيم التي تحكم عقلية هؤلاء غير إنسانية، وغير موضوعية، ولاتحترم ثوابت هذه الأمة. وبالتالي فإن ما يقود عقلية هؤلاء لا صلة له بالمبادئ والقيم، وإنما هو خليط من ممارسة النفعية الوصولية الزبونية المادية والانتهازية السياسية - الاجتماعية في عبثية التسلّق والظهور الإعلامي المؤقت الرخيص أو التفاخر بالاستقلالية الذاتية الرافضة للالتزام بمصالح وحقوق غيرها.
لنأخذ مثال الموضوع الفلسطيني. مأساة الغياب التام لأية مبادئ أو قيم قومية أوتضامنية، أو إنسانية أو أخلاقية تظهر في أقوال وكتابات وتصرفات لأفراد من تلك الجماعة، أشار إلى بعضها الكاتب الإماراتي العروبي المرحوم حبيب الصايغ في مقال نشرته جريدة «الخليج» الإماراتية منذ بضعة أيام.
أشار الصايغ بالاسم إلى العديد من الإعلاميين الخليجيين الذين زاروا «إسرائيل» بترتيب ومباركة من قبل السلطات «الإسرائيلية» في تل أبيب، وإلى الإعلاميين الذين قبلوا إجراء مقابلات مع القنوات التلفزيونية «الإسرائيلية» وإعلان بعضهم بأن لا مشكلة سياسية لهم مع الاحتلال الاستيطاني. وفي كل يوم

تتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبارات الإعجاب بجيش الاحتلال، وكلمات التغزّل والحب لذلك الكيان وصرخات الكراهية والاحتقار السمج للشعب العربي الفلسطيني.
القائمة طويلة وعبقرية التفنّن في انتقاء الكلمات البذيئة بحقّ الإخوة الفلسطينيين لا حدود لها.
نحن إذن أمام عقلية لا تلتزم بمبدأ العدالة عندما تقبل بأن يأتي برابرة أغراب ويحتلوا أرضاً سكنها أناس عبر آلاف السنين، ويخرجوا أولئك البشر، قسراً وعنوة، إلى المنافي والملاجئ، ويبقى الذين لم يتركوا أرضهم في سجن كبير يمارس فيه القمع والإذلال والتجويع، ويعتمدوا في كل ذلك على قوة أمريكية تسخّر كل إمكانياتها المالية والسياسية والعسكرية لتجويع وإذلال وقهر الملايين من الفلسطينيين.
نحن أمام عقلية لا تلتزم حتى بقيمة الأخوّة الإنسانية والوقوف مع المظلوم في وجه الظالم.
نحن أمام عقلية لاتحكمها حتى التزامات العروبة التضامنية ولا حتى الرفض السّاكت غير المعلن لاحتلال جزء من الوطن العربي الكبير. نعم، هذه مجموعة صغيرة جداً سينبذها المجتمع إن عاجلاً أو آجلاً، وسيرفض أن تنتقل عدوى عقليتها المريضة إليه. إننا أمام عقلية سياسية لاتحكمها مبادئ ولا قيم ولا التزامات قومية.

لقد كتبت من قبل وتحدثت عن ظاهرة بعض الكتاب والمثقفين الخليجيين في تعاملهم مع امتدادهم العربي بخفّة وسوء تقدير. لكن، شيئاً فشيئاً، يتّسع الفتق لنجد أنفسنا أمام فوضى عقلية بامتياز.
مرة أخرى تطلّ العقلية الجديدة برأسها بعد أن تخلّت عن المبادئ والقيم والآمال القومية.
كتبت هذا المقال، وأنا مدرك لحساسيته لدى البعض، بروح المحب لوطنه، المشفق على أمته، العاتب على ذلك النّفر، ومنهم الأصدقاء والمعارف، لانخراطهم في أقوال وأفعال لا تقرّها أخوّة ولا تقبلها مبادئ وقيم.

&