&عبدالملك المالكي&

تتسارع الأحداث الساخنة على الساحة اليمنية بوتيرة متسارعة جدا، بل ومخيفة لمن لا يدرك التركيبة الديموغرافية الحقيقية لليمن وإنسانه الذي لم يعد له من اسمه «اليمن السعيد» غير اليمن، بينما حظه من السعادة عاثر دوما.. السعادة التي لا وجود لها على أرض الواقع! وهذا أمر طبيعي أو هكذا يبدو لبلد ينشد أهله الاستقرار ولا يجدونه منذ عشرات السنين، ان لم تكن مئاتها التي لم تعرف الاستقرار عمليا، ولعل ذلك بات أمرا مألوفا في ظل وجود عناصر «مؤدلجة» تعبث جيلا بعد آخر بأمنه واستقراره.. عناصر تركن لنفوذ طوائف وعشائر وأسماء محسوبة على قبائل تبيع وطنيتها بحزمة «حزبية» لا غاية لها إلا الخراب!

لذا، فلا تثريب اليوم على من يرى في الوجود الفارسي في اليمن قوة، أو من يصمت على عبث أحزاب تؤمن بفكر «الإخوان» وغيرهم ولا ترعوي أبداً عن تدمير الوطن وتقبل بوجود محتل «إيراني» وتدعم وجوده عبر وجود وكيله الحوثي وجماعته الخارجة قولا واحدا عن العروبة.

إلا أن وجود تلكم العناصر بين تركيبة تؤمن بـ «الشرعية» ظاهريا وتخدم أجندات تنحر تلك «الشرعية» عمليا يولد حالة من فقدان بوصلة القيادة على الأرض، لتحل مكانها سياسة أمر واقع تجعل «الحليم» حيرانا لمن لا يعرف السر وراء أحداث اليوم في اليمن، والتي تؤخر بشكل جلي استقرار هذا البلد الذي يعرف أهله جميعا شماله وجنوبه من هو عدوهم «الأول» و«الأوحد»، ولكنهم يتركونه ليتمموا مشروع «التمزيق» بالتناحر فيما بينهم!



اليوم وللتاريخ أعيد في هذه المقالة ما قارب أهل اليمن على نسيانه قبل غيرهم، وبعض من يلمز ويهمز في إنجازات «التحالف» وغايته السامية، دور «التحالف» الذي وجد بأمر اليمن وأهله حين تمت الاستغاثة من الجار المتناحر لجاره المستقر -بفضل الله ثم بفضل لُحمة شعبه وقيادته- المملكة العربية السعودية التي تحملت حتى اليوم جُل الخسائر البشرية والمادية واللوجستية في سبيل «إعادة الأمل» لشعب مزقته الحروب والتدخلات الخارجية، حتى بدأوا ينسون أو يتناسون دور التحالف الذي طلبوه واستفزعوا العالم وعلى رأسهم الشقيقة الكبرى بنصرتهم والوقوف بجانبهم حتى يدحروا الطغمة الباغية في شمال اليمن المدعومة بكل قوى الشر في العالم اليوم إيران وأتباعها قطر و«تنظيم الإخوان» حول العالم.

لذا، أذكر أصحاب ذاكرة «الذبابة» بمنجزات التحالف منذ هجوم الحوثي على «الشرعية» في اليمن وإلى يومنا هذا، لعل الذاكرة تعود بالمتناحرين إلى رشدهم في تقييم ما آلت إليه الأمور اليوم.

فاليمن، ومنذ ستة أعوام، يشهد حرباً لا هوادة فيها، بدأت عندما هاجم الحوثيون انطلاقاً من معقلهم الرئيس في صعدة، العاصمة صنعاء وفرضوا عليها سيطرة «الأمر الواقع» بعد اقتحام القصر الرئاسي في يناير (كانون الثاني) 2014، الأمر الذي أدى لاستجابة قوى «التحالف العربي» بقيادة السعودية لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ما اقتضى تشكيل تحالف عربي بقيادة السعودية لإنقاذ اليمن من تغول ميليشيات الحوثي والإرهاب معاً ضد اليمن واليمنيين، وهو الدور الذي أعطى «شرعية» دولية لمطلب الرئيس اليمني الشرعي، ولكنهم اليوم فيما يبدو نسوا أو تناسوا مثل هذا الحق الأصيل لليمن وأهله، أملا في استرداد ما سلبه الحوثي عنوة من أهل اليمن بين عشية وضحاها، ليهبّ «التحالف العربي» لنصرة الشرعية ويعمل على الجمع بين الواجب العسكري في دحر المعتدي (الإيراني) على ساحة عربية يمنية بامتياز، وواجب إنساني في إعادة الأمل في الحد من معاناة الإنسان اليمني الذي بات متخلفا عن العالم المتحضر من حوله.

فقد نجحت القوات المشاركة في التحالف العربي في إعادة الهيبة للجيش الوطني اليمني الذي كاد المشروع الإيراني الخبيث يمزقه هو وباقي قوات المقاومة الشعبية، ليحقق اليوم نجاحات لا ينكرها إلا جاحد تمثلت في تحرير عدد من المناطق والمحافظات، وإعادتها إلى سيطرة حكومة الرئيس اليمني الشرعي بعد أن كبدت ميليشيات الحوثي خسائر فادحة كبحت جماح غدرها وقلمت أظافر العدو الأوحد لليمن في هذه الحرب (إيران ونظامه البغيض الكاره للعروبة والإسلام والمؤدلج)، لضم اليمن إلى «حظيرة» سيطرته عبر ما عرف بـ «الهلال الشيعي» الذي دحره التحالف العربي في اليمن حتى هذه اللحظة.

فمنذ الـ25 من آذار (مارس) 2015، حقق التحالف عملياً الجزء الأكبر من أهدافه بفضل «عاصفة الحزم» أولاً ثم «السهم الذهبي» الذي قادته قوات المقاومة الشعبية ووحدات الجيش اليمني بدعم من قوات التحالف في حزيران (يونيو) 2015، التي أمكن بفضلها تحرير عدن بدماء اختلطت فيها دماء العرب والمسلمين من السعودية والامارات واليمن وبقية قوى الخير في التحالف العربي المدعوم دوليا، ولم تكن حينها بوصلة العدو تشير إلى غير الحوثي الذي كاد يستولي على اليمن من أقصاه إلى أدناه ليسلمه «قربانا» لمشروع إيران في المنطقة.

هنا لن تستعيد شريط الذكريات الذي يروي بطولات استعادة الشرعية عبر سنوات مضنية في الضالع وإب والبيضاء وصعدة، وسقطرى والمكلا وغيرها، وصولاً إلى معركة تحرير أجزاء واسعة من الحديدة في 2018، ما أدى إلى الركون لمشاورات أممية تعيد لهذا البلد شرعيته في تقرير مصيره بعيدا عن أطماع الفرس وأتباعهم، أبرزها الاتفاق في استوكهولم على وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الحديدة وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن تعز، وهي الاتفاقات التي أخلت بها ميليشيا الحوثي وتنكرت لها دون النجاح في تحقيق أي نجاح ميداني يُذكر ضد التحالف والقوات اليمنية، وفيما يبدو بدأ يتناساها أهلها بالسماح للتدخل القطري و«الإخواني» الواضح في اليمن وضوح الشمس!

فكانت الأهداف العسكرية الآنفة الذكر شاهد عيان على نجاح «التحالف» في تحقيق الجزء الأكبر من أهدافه المعلنة، وإن كان من أبرزها عمليا تثبيت الحكومة الشرعية والحفاظ على جسم وهيبة ومقومات الحكومة اليمنية الشرعية دوليا، بعد دحر الحوثيين ومن معهم من الخونة من استكمال ابتلاع مؤسسات الدولة وفرض «الأمر الواقع» على اليمنيين والعالم.

لقد عزز «التحالف العربي» عمليا بشهادة العالم أجمع جُل المكاسب على الأرض بدعم «الشرعية» التي بات نجاحها سياسيا على المحك، وقد أدت وبنجاح قيادة التحالف في دحر الأحلام الإيرانية للسيطرة العملية على كامل اليمن، بعد أن سارعت طهران بإعلان «احتلال خمس عواصم عربية» بينها صنعاء، الأمر الذي لا يتناساه اليوم إلا ذوو «الذاكرة البعوضية» التي نعلم جميعا أنها لم تسع يوما للحل في اليمن بقدر ما تسعى إلى استمرار النزاع بإثارة القلاقل والبعد عن تحقيق كامل أهداف التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.. فهل يعي الساسة ما يتطلبه الموقف اليوم من حنكة سياسية بالدرجة الأولى وليذهب بعدها اليمنيون لتقرير مصيرهم بطريقة حضارية؟! طريقة للأسف الشديد ابتعدت عمليا عن البلد الذي يجب أن يعي أهله قبل غيرهم أن عدوهم الأوحد شمالا وبأجندة إيرانية فارسية مجوسية.. فهل أنتم منتهون عما يخدم مشروعهم ولا يُبقي لليمن وأهله وجود قبل أي مشروع يرسم البسمة لهذا الشعب المكلوم في ساسته قبل غيرهم؟