د. محمد عاكف جمال

أزمة إيران إقليمياً ودولياً متعددة الأوجه، وإن بدت لإدارة الرئيس أوباما في حينه أزمة حول شرعية برنامجها النووي، في حين أن هذا البرنامج ليس غير أداة من أدوات كثيرة لتحقيق الحلم الأكبر لإيران، وهو الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط واسترجاع أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وهو الوجه الأكثر خطورة لهذه الأزمة، لأنه مصدر صراع دائم مع دول وشعوب المنطقة، صراع غير طارئ بل دائم ديمومة حضور الأحلام الإمبراطورية في أذهان حكام طهران.

دخلت الأزمة بين واشنطن وطهران منعطفاً جديداً مع التفجيرات الغامضة التي طالت أكداس السلاح في أربع قواعد عسكرية يستخدمها الحشد الشعبي في العراق، الذي لا تخفي بعض قياداته ميلها بل ولائها التام لإيران. وقد حرصت جميع الجهات ذات العلاقة على توخي الحذر في الإشارة إلى الجهة التي تقف وراء هذه التفجيرات لعدم توافر الأدلة أو مراعاة لوضع سياسي غير مهيأة لمواجهته.

وقد صدرت عن قيادات هذا الحشد تصريحات متعارضة حول من يتحمل مسؤولية هذه التفجيرات، تطورت لاحقاً لترجّح تورط إسرائيل ووراءها الولايات المتحدة في ذلك. في سياق هذه الأجواء المشحونة بالترقب، واستباقاً لما هو متوقّع من تحركات لبعض فصائل الحشد الشعبي، عقدت الرئاسات الثلاث في العراق اجتماعاً استثنائياً في قصر السلام في الثاني والعشرين من أغسطس المنصرم لتدارس الوضع الأمني الذي ينذر بالتدهور.

البيان الذي صدر عن الاجتماع أكد ضرورة الالتزام بوثيقة «السياسة الوطنية الموحدة بشأن المستجدات الأمنية الإقليمية»، وعلى النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، ورفض أي تصريح أمني أو عسكري خارج إرادة القائد العام للقوات المسلحة، فالرئاسات الثلاث تصر على عدم انجرار العراق إلى صراعات لا مصلحة له فيه.

الاجتماع لم يأت بجديد، فعلى المستوى الرسمي، العراق في حالة ضعف شديد وفي موقف غير القادر على التأثير على معادلات التوازن الإقليمية، فهو لا يستطيع وربما لا يجرؤ أن يُقارب هذا الموضوع الشائك بمواقف تنسجم مع ما تتطلبه السيادة الوطنية للدولة التي تشهد المئات من الاستهانات بها وبهيبتها يومياً على أيدي الميليشيات، فهو من هذا المنظور يعمل على إرضاء إيران دون إغضاب الولايات المتحدة. لم تمضِ سوى بضع ساعات على صدور بيان اجتماع قصر السلام، حتى أصدر نائب رئيس الحشد في تحد واضح بياناً ينذر فيه باللجوء إلى قصف القواعد الأمريكية في العراق في حالة الاستمرار بتفجير أكداس العتاد الحشدي في اتهام صريح للولايات المتحدة بالمسؤولية عن ذلك.

من جهته، سارع رئيس هيئة الحشد الشعبي سارع للتنصل من بيان نائبه، معلناً أنه يعبر عن رأي شخصي، ليشعل بذلك شرارة خلاف في صفوف الحشد. الولايات المتحدة من جانبها رفضت بشدة الاتهامات الموجهة إليها في البيان الذي صدر عن وزارة الدفاع الأمريكية «بنتاغون» في السابع والعشرين من أغسطس المنصرم.

مؤكدة احترامها سيادة واستقلال العراق. الموضوع لم يتوقف عند ذاك، فليس هناك نهاية قريبة لسيناريوهات الصراعات في المنطقة، فقد دخلت إيران على الخط منحازة لموقف نائب رئيس الحشد الأكثر انسجاماً مع استراتيجيتها في المواجهة مع الولايات المتحدة التي ترى في العراق المصد الأول في هذه المواجهة.

ودخلت بعض المرجعيات الدينية المقيمة في مدينة قم الإيرانية إلى حلبة المواجهة لتضفي بعداً شرعياً على التحرك المتوقّع ضد الوجود الأمريكي، مفتية بجواز استهداف قواعده، معتبرة بقاءها في العراق «حرام شرعاً» في سياق جر العراق للتورط في الصراع الأمريكي الإيراني، وهو موقف يتعارض مع موقف المرجعية الدينية في النجف التي تنادي بإبعاد العراق عن هذا الصراع.

طهران لا ترى ضيراً في مناوشات عسكرية مع الولايات المتحدة بل ترحب بذلك، ولكن ليس انطلاقاً من أراضيها ولا بقواتها وإنما من أراضي دول أخرى وبوساطة قوات هذه الدول.

ما تمتلكه إيران في العراق من ميليشيات طوع إرادتها وما لديها من نفوذ على الدولة العراقية عبر اختراقاتها لجسد هذه الدولة على أعلى المستويات يوفر لها هكذا قدرات تنتظر فرصة مناسبة للاستفادة منها بغض النظر عما لذلك من أضرار تلحق بالعراق.

ليست هناك إجابة واضحة عن مدى النجاح الذي يمكن أن تحققه محاولات جر العراق رغم أنفه، للدخول في حرب نيابة عن آخرين، فذلك ليس منوطاً بإرادة الشعب العراقي المشتتة بين هؤلاء وهؤلاء، بل بمقدار ما للتوازنات الإقليمية من تأثير قوي وفاعل تتراجع في ضوئه المواقف السلبية غير الحاسمة لحكومة عادل عبد المهدي.

* كاتب عراقي