يقال في البدء كانت الكلمة، وفي البدء كان النقد، ومن الكلمة والنقد جاء الاعتراض والشكوى، ومنهما جميعاً خرج «التحلطم والتقرطم»، يتم افتتاح جامعة جديدة على أحدث طراز، فيخرج عليك دكتور «فهلوي مغمور» بفيديو يبحث عن الأخطاء، وكأنه اكتشف سرا بيئيا خطيرا، ينتهي العمل ويباشر المطار الجديد أعماله، وبدلاً من كلمات الشكر والثناء، تجد التذمر والعتاب والاستهزاء، يتم قص شريط افتتاح مستشفى جديد، فتتكاثر الأسئلة المجنونة عن الكلفة المالية للمشروع، ومن التاجر الذي يقف لاستلام مبلغ المناقصة، يتم الإعلان عن حفل غنائي أو مسرحي، فتنهال عليك سهام الحلال والحرام وفتاوى «الغناء مزمار من مزامير الشياطين»، يخسر المنتخب الوطني إحدى مبارياته، فتعزف الجماهير اسطوانة السباب والشتائم «والطنازة»، تباشر وزارة الأشغال العمل بإصلاح الشوارع والجسور، فيتساءل البعض عن السبب الخفي الكامن وراء المشروع ؟! يتعهد الديوان الأميري بإنجاز وبناء مرفق جديد، فيصرخ نواطير المال العام معترضين، لدرجة أنه لو لم تتحسن حرارة الجو أو تأخر «سهيل» بالقدوم لألقى بعضهم باللوم على الحكومة، ولا غرابة، فقد حمّل «الفهلوي» هذا يوماً السلطة التنفيذية المسؤولية عن وصول درجة حرارة الجو إلى ٦٠ درجة مئوية !

يا ترى من يقف خلف حملات المبالغة والتهويل؟ فمن الغريب والمأساوي أن هناك عملا مُنظما من الداخل والخارج للإساءة ومحاولات إسقاط هيبة الدولة وأجهزتها من أعين وأنفس الناس، فبدلاً من الوفاء والعرفان يتحول الأمر إلى الجحود والنكران، هذا فضلاً عن عشرات «المخدرات» الإعلامية التي تبث يومياً عبر تويتر والواتس أب للتندر والضحك على مشاريع الدولة التنموية، وهنا بلا ريب يجب التفريق بين النقد والمناقشة العلمية المصحوبة بحسن النية، وبين الإهانة والطعن أو التحقير، وهو ما يمارسه البعض وبكلام بذيء أحياناً في كل مشروع تنموي يشارف على الانتهاء، وكأن هناك حقدا دفينا ورغبة جامحة بالتشفي والانتقام.

أتعجب من هذه الثقافة المنتشرة في الميديا، فمن غرائب الأمور أننا ربما البلد الوحيد في العالم الذي ينشغل فيه بعض المواطنين بالسخرية من المشاريع التي توفرها حكومتهم لخدمتهم.

علينا أن نُحسن النوايا، فالنقد والاستهزاء سهل، لكن العمل والبناء والإنتاج صعب وشاق، ومن يعملون بإخلاص وتفان قلة، فمن أي فئة أنت؟!

رحم الله المحامي الأريب والسياسي البارز الألمعي مشاري العصيمي وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان، فسوف تفتقد الساحة القانونية والسياسية علماً من أعلامها ورمزاً من رموزها، الذين يشار إليهم بالبنان، وقد كان لنا شرف الدفاع القانوني التطوعي عن أصحاب الرأي، فكان صلباً لا يُكسر وفارساً لا يُهزم.

‏رحمك الله يا أبا طارق وإلى جنات الخلد.
&