& عبدالله محمد الشيبة


«روسيا دولة كبرى لها دورها المهم والمحوري في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، وإن استمرار التنسيق والتشاور معها بشأن قضايا المنطقة أمر ضروري لضمان تحقيق الأمن والاستقرار اللذين ننشدهما‏«.
تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، التي تضع الإطار الاستراتيجي للشراكة السليمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استطاعت في زمن قياسي منذ نشأتها أن تحتل أعلى مراتب التنافسية العالمية وبين جمهورية روسيا الاتحادية، وهي الدولة العظمى التي لها بصمة واضحة في العديد من المجالات التي تم تحديدها في إطار الشراكة الاستراتيجية، التي وقعها البلدان خلال شهر يونيو العام الماضي لتعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مختلف القطاعات الحيوية. وقد منحت تلك الشراكة دفعة قوية في العلاقات القائمة بين الإمارات وروسيا، مما جعل فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد أن «الإمارات شريك وثيق لنا منذ سنوات في منطقة الشرق الأوسط، وتوقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية خطوة أخرى في سبيل تعزيز العلاقات بيننا».

ولعل من أبرز أسس الشراكة بين الإمارات وروسيا هو التماثل بين الدولتين في ممارسة التسامح إزاء بقية شعوب العالم، إذ تحتضن دولة الإمارات أكثر من 200 جنسية على أرضها يضمون حوالي 100 ألف شخص، منهم نحو 40 ألف روسي و60 ألف مواطن من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وكذلك تستضيف روسيا حوالي 180 جنسية مما ساهم بوضوح في توفير حياة مستقرة تتسم بالأمن والأمان لمواطني تلك الجنسيات في مجتمع متعدد الثقافات. كما ساهمت الشراكة الاستراتيجية في تعزيز العلاقات بين الجانبين في العديد من المجالات التجارية والسياحية والتعليمية والفضائية. وضمن هذا الإطار، فإن حجم التجارة الثنائية بين الدولتين بنهاية عام 2018 قد بلغ 3.4 مليار دولار أميركي بنسبة بلغت 21% بالمقارنة مع العامين السابقين، في حين بلغ عدد الشركات الروسية المسجلة والعاملة في دولة الإمارات نحو 3 آلاف شركة مما يعكس المكانة التجارية البارزة لدولة الإمارات حيث تحتل مركز إعادة التصدير المفضل للمنتجات والسلع الروسية في المنطقة، مما يتيح للمصدرين الوصول إلى نحو ملياري مستهلك في الأسواق المحيطة.
أما على صعيد السياحة، فقد شهد ذلك المجال زيادة ملحوظة في عدد السائحين الروس الذين زاروا الإمارات ليبلغ عددهم ما يقارب 900 ألف سائح في عام 2018. وفي مجال التعليم، فقد استضافت موسكو مؤخرا فعاليات الدورة الثالثة من قمة «أقدر» العالمية التي أُقيمت بالتزامن مع منتدى موسكو العالمي «مدينة للتعليم» 2019 مما يؤكد أهمية العمل المشترك والعلاقات بين الإمارات وروسيا في تعزيز تمكين الإنسان من التعليم. ثم يأتي التعاون بين الدولتين في مجال الفضاء على رأس سلم الأولويات إذ كانت البداية بإطلاق أول قمر صناعي إماراتي وهو «دبي سات-1» من قاعدة «بايكونور» الروسية في كازاخستان عام 2009، مروراً بتوقيع مذكرة تفاهم بين الإمارات وروسيا تشمل تبادل الخبرات وتأهيل الكوادر في مجالات الفضاء في عام 2015 ثم توقيع اتفاقية تعاون بين «مركز محمد بن راشد للفضاء»، و«وكالة الفضاء الروسية» «روسكومسموس« في عام 2018 تنص على إرسال أول رائد فضاء إماراتي للمشاركة في الأبحاث العلمية ضمن البعثة الروسية إلى المحطة الدولية نتج عنها تدريب رائدي الفضاء هزاع المنصوري وسلطان النيادي بمركز «يوري جاجارين» في «مدينة النجوم» بموسكو، ثم انطلاق أول رحلة لرائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى المحطة الفضائية الدولية في 25 سبتمبر الماضي، تلك المجالات وغيرها العديد تضع الإمارات وروسيا على درب الشراكة الاستراتيجية السليمة، التي تعود بأفضل النتائج على مواطني الدولتين حاضراً ومستقبلاً مما يصنع أنموذجاً يستحق الاقتداء به بين بقية دول العالم.&&