&خالد الغنامي&

حمل المنتدى السنوي الرابع عشر الذي نظمته صحيفة «الاتحاد» في 20 أكتوبر الجاري عنوان «الأخوة الإنسانية.. رؤية الإمارات لعالم متسامح». هذا العام 2019 هو عام التسامح، لذا حرصت الصحيفة على تكريس منتداها السنوي لموضوع بهذه الأهمية، أي التسامح، كجزء من رؤية الإمارات لنفسها وللعالم، وهو ما اتضح جلياً من خلال اللقاء التاريخي الذي جمع بابا الفاتيكان فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، استجابة لدعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للقاء على أرض الإمارات.
وقد نشأ مصطلح «التسامح» في أوروبا خلال القرن السادس عشر، بعد أن دعت إليه الحاجة الماسة نتيجة للصراعات الدينية التي وقعت بين الكاثوليك والبروتستانت واشتعلت بسببها نيران حروب طويلة حاول فيها كل طرف تصفية الطرف الآخر، لكن لم ينجح أي منهما في هدفه. وكانت البداية مع الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في «رسالة في التسامح» كتبها عام 1689 لينقذ أبناء وطنه من اقتتال عبثي لا معنى له. الفكرة الجوهرية لرسالة لوك هي الدعوة إلى عدم اضطهاد أي إنسان من طرف الكنيسة بحجة العقيدة، بحيث تصبح حرية الاعتقاد مكفولة للجميع. وقد دعا لوك الدولة والكنيسة إلى العمل معاً على تحقيق السعادة للناس من خلال بث التسامح والمحبة، فكل واحدة منهما قوة لا يستهان بها في مجال تثبيت السلم الاجتماعي. وسرعان ما انتشرت الفكرة بين فلاسفة التنوير مثل فولتير وكانط وغيرهما.
هكذا تقول المراجع والكتب التي تؤرخ للتسامح، والحق أن الفكرة أقدم من جون لوك والأوروبيين، فمنذ قديم الزمن انتشر نهي الرهبان البوذيين عن دوس الإنسان على نملة، لأن بها روحاً. كان بوذا مشغولاً بكيفية الوصول إلى السلام، وكان يخط طريقاً للإنسانية للتخلص من الألم والقلق، ويقول: «لا ينبغي لقلوبنا أن تضطرب من دون داعٍ، ولا ينبغي لأي كلام خبيث أن يخرج من شفاهنا، نريد أن نكون عطوفين رحماء، قلوبنا المملوءة بالحب معصومة من كل خداع، نريد أن نبث نور عطفنا على كل إنسان. نريد أن ننشر في كل الكون عطفاً واسعاً ليس له حدود، نقياً من كل ضغينة ومن كل غل، ذلك ما ينبغي أن تفعلوه يا أصدقاء».
وفي تعاليم بوذا نجده يؤكد على تحمل البغضاء، والتسامح مع وجود الأذى، ليس لمجرد الرغبة في الوصول إلى الكمال، بل لأننا نصبح مؤثرين في العالم بصورة أكبر عندما نكون متسامحين، ولأن الإعراض عن الكراهية في حد ذاته هو طريق إلى السلام الداخلي.

ومن أوجه الجديد في «وثيقة الأخوة الإنسانية» ودعوتها للتسامح بين بني البشر، هو انطلاقها هذه المرة من الجزيرة العربية مهد الإسلام، الإسلام الذي شوّه صورتَه بعض أبنائه فقرنوه بالإرهاب وبانتهاك حياة الأبرياء. هذه الجريمة التي وقعت بحق الإسلام ليست خاصة بمذهب دون آخر، بل شوهه عديدون من مختلف المذاهب من خلال قتلهم للأبرياء وتفجيرهم أنفسهم بالعبوات الناسفة، آخذين معهم أناساً لا يدرون أصلاً لم تم استهدافهم. يجب ألا نترك لهؤلاء المتطرفين حق تمثيل الإسلام، هذه هي رسالة أبوظبي للداخل العربي الإسلامي، أما رسالتها للعالم فهي أنه كما نجحت أوروبا في تجاوز الحروب والمجازر التي ارتكبت باسم الدين، فإن العرب كغيرهم من الأمم قادرون على مثل ذلك التجاوز.

&

&