&تركي الدخيل
لا يكاد يذكر اسم العلامة، الراحل سعد بن جنيدل (1924 - 2007)، رحمه الله، وهو المؤرخ، الموسوعي، السعودي، إلا وتستعاد ذاكرة جيل من المثقفين السعوديين الكبار، الذين أخذوا على عاتقهم تدوين الجغرافيا السعودية، ومن هؤلاء الرواد: حمد الجاسر، ومحمد العبودي، ود.عبدالرحمن الأنصاري، ضمن إمكاناتٍ بسيطة، لا تتجاوز عادة سيارة قادرة على مواجهة وعورة التضاريس، ومعاون أو اثنين للعناية بالركب، ساعة الحاجة.
لقد دوّن أولئك الرواد، القاعدة التأسيسية لجغرافيا السعودية، فلم تكن مجرد تحديد مواقع، وإنما تضمنت تواريخ، وقصصاً، وحكايا، للأمكنة، ونباتاتها، وجبالها، وصخورها، وسهولها، ما وفر مادة أنثربولوجية حقيقية، يمكن الاستناد عليها في الدراسات والأبحاث المستقبلية، كما علق على ذلك، أستاذ الأنثربولوجيا، د. سعد الصويان، إذ اعتبر ما قدمه الكبار، تأسيساً مهماً، للمتخصصين الانطلاق منه لكتابة الأطروحات الأكاديمية، والبحوث المتخصصة ضمن مناهج العلوم الحديثة.
الباحث، مسعود بن فهد المسردي، ألف كتاباً ضافياً، طبع في «دار جداول»، بعنوان:«سعد الجنيدل، عالية نجد ونجد العالية»، تقصى فيه رحلة العلاّمة الشاقة، نحو التوثيق بين الصحف، والمجلات، والدوريات، والأثر الأبرز، البحث الميداني بصحبة علامة الجزيرة، حمد الجاسر، رحمه الله، والذي ربطته بالجنيدل صداقة عمر، رغم اختلافهما في آراء بحثية. قدم الجاسر، كتاب الجنيدل الموسوعي: «معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر». كتب عن صداقتهما، صلاح الزامل، مقالةً، بعنوان: «الشيخان الجاسر والجنيدل ضربا أروع
الأمثلة في الوفاء والإخاء»، وفيها ينقل عن الجاسر قوله:«عرفت الأستاذ أبا عبدالله، سعد بن عبدالله بن جنيدل، حق المعرفة، فقد جمعتني الصحبة به في التنقل، في وسط الجزيرة وغربها وجنوبها وشرقها. وعرفته وخالطته مراراً فقد كان يكرمني يدعوني إلى بيته، ويطلعني على بعض أعماله، فأستفيد من علمه، وأدبه، واستمتع بما يتحدث به، مما يحفظ من أخبار، وأشعار، وخاصة ما كان يتعلق بسكان البادية، فقد كان وثيق الصلة بهم، كثير المخالطة لبعض مشاهيرهم... وكنت أعجب بكثرة محفوظاته وبحضور بدهيته وبتفريقه بين لهجات أبناء البادية وأقولها كلمة حق بأنني بطول الترافق في الأسفار وكثرة الاجتماع به لم أر منه مرة من المرات ما أحس مما يكدر صفو ما بيننا من الوداد، والتوافق والصداقة».
من مؤلفاته العلامة بن جنيدل: «معجم الأمكنة الوارد ذكرها في القرآن الكريم»، «معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري»، «معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر»، «بلاد العرب في المعاجم القديمة وبحوث المتأخرين»، و«من أعلام الأدب الشعبي»، و«ديوان بين الغزل والهزل»، و«معجم التراث»، ويقع في 8 أجزاء، من ضمن ما اشتمل، معاجم: السلاح، والخيل والإبل، وبيت السكن، والأطعمة وآنيتها، وغير ذلك.
سأله الزميل عبدالحفيظ الشمري، في حوار بجريدة (الجزيرة) عن الرحلة التي صحب فيها العلامة حمد الجاسر، وظروفها، فأجاب:«صدر في هذا الموضوع أمر سام كريم، بأن ينظم لحمد الجاسر وزملائه، رحلات علمية داخل المملكة، من أجل إنجاز المعاجم الجغرافية والتاريخية الخاصة بالبلاد السعودية... فقد كلفت الجهات المعنية، وزارة الإعلام، ووزارة المعارف آنذاك (التعليم لاحقاً)، ووزارة الداخلية، وإمارات المناطق، من أجل أن يتم تسهيل مهمة هؤلاء الأشخاص، فكانت هذه الرحلات بالنسبة لي من أروع الرحلات في حياتي، حيث وقفنا على الكثير من المواقع الأثرية، والهضاب، والسهول، والجبال، والعيون، وقابلنا في هذه الرحلات، العديد من أعيان البادية والهجر، فقد كانت حصيلة هذه الزيارات، العديد من الفوائد العلمية، والثقافية، والتوثيق الحقيقي للشعر العربي، الفصيح منه والنبطي، إضافة إلى النواحي الجغرافية، والمواقع التاريخية، التي تحتاج إلى تطبيق على أرض الواقع».
ابن جنيدل، نقشٌ مرسوم على جدار تاريخ هذه الأرض، جند عمره وحياته وطاقته لتوثيق تاريخ السعودية، في وقت كانت الأدوات البحثية بسيطة وبدائية، ورفاهية الانتقال كانت منعدمة.
العلامة سعد بن جنيدل، قامة من بين القامات السامقة التي لن ينساها التاريخ.
&
&
التعليقات