&عائشة الدرمكي

&إذا كانت الثقافة هي الأساس والمُنطلق لحضارة أي مجتمع فإنها لا تقوم سوى بالتنوع الذي يشكل الهُوية الوطنية؛ فثقافة المجتمع هي تعدد إثني ـ ثقافي يقوم على التنوع الحضاري التاريخي والجغرافي الذي يؤسس الكيان الوطني، وهو الكيان الذي تنضوي تحته تلك الأشكال المتنوعة من الثقافات المجتمعية وأنماط حياتها المختلفة.


ولأن الصحراء أحد أهم مكونات المجتمع في منطقتنا العربية بشكل عام، ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص، فإنها تمثل ثقافة المجتمع بوصفها كياناً له طقوسه وأعرافه وأنماطه السلوكية التي تميزه عن غيره من المجتمعات، وهذا التميز قائم على ما ينتجه مجتمع الصحراء من أشكال ثقافية ذات خصوصية من حيث المرجعيات التي تأسس عليها، وبالتالي انتماءاته الحضارية التي تسهم في تشكيل ذلك الكيان الوطني.

إن مجتمع الصحراء بوصفه مكوناً ثقافياً يعمل على إنتاج منظومة حضارية سوسيولوجية واجتماعية لها لغتها وعلاقاتها المتعددة مع الآخر، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المنظومة اليوم بدأت تنحو نحو التطور والتغير، وهو أمر لا بد منه في ظل التغيرات المجتمعية والتطورات العالمية الهائلة، التي أصبحت مواكبتها أمراً حتمياً على المجتمعات، إلا أن هذه التغيرات التي يشهدها مجتمع الصحراء يجب أن تكون مدروسة ومخططاً لها من قِبل الحكومات؛ ذلك لأن التغيرات العشوائية التي بدأت تظهر بشكل متسارع أسهمت مباشرة في التغير الكبير في ثقافة هذه المجتمعات.
ولهذا فإن ثقافة مجتمع الصحراء ذات طابع خاص يحمل جغرافية ومرجعيات فكرية لها أثرها في تشكيل الكيان الثقافي للأوطان، ذلك لأن الهُوية الوطنية لثقافة المجتمع قائمة على احترام الخصوصية، والتنوع الثقافي الذي يقوم على التعددية، وفي هذا فإن احترام ثقافة المجتمعات المتنوعة في الكيان الوطني يقتضي حماية بيئتها الجغرافية التي تمثل الأساس الحضاري وبالتالي فإن سياسات العمران وأنماطه يجب أن تكون ذات استراتيجية تخطيط واضحة، الأمر الذي يقتضي إيجاد سياسات اقتصادية واجتماعية وبيئية، من حيث الحفاظ على خصوصية ومكتسبات هذه التنوعات الثقافية، واستثمار مواردها الثقافية استثماراً يليق بها.

لذا فإن سياسات التخطيط الاستراتيجي لمجتمع الصحراء يجب أن تقوم على أسس معرفية وثقافية تأخذ في الاعتبار تلك الخصوصية والمكانة الحضارية لهذا المجتمع، وبالتالي فإن اقتصاديات المعرفة لهذه المجتمعات عليها أن تقوم على إيجاد بنيات إبداعية خاصة للارتقاء بالمقومات الثقافية للمحافظة على أصالة هذه الثقافة، وتأسيس قواعد التطور والتغير الذي يتواكب مع تطور الكيان الوطني.