رؤوف قبيسي&

&في خضم بحر الشائعات التي تستهدف وجه الثورة الوطنية الوحيدة&في تارخ لبنان،&نتذكر قول الأديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين: "إذا&أردت أن تقتل شخصا ما، لا تطلق عليه رصاصة بل أطلق عليه إشاعة"!&&منذ&بدأت&هذه&الثورة&المجيدة، والطبقة&الحاكمة&تمارس عليها&المكر&والخداع،&وتنسج&حولها الشائعات. من هذا النسيج،&أن&سفارات أجنبية&تدخلت في&الحراك، وأخذته&إلى&"أجندات"&يمينية،&خليجية وإسرائيلية&وأميركية،&"هدفها"&النيل من المقاومة،&وقوى "8 آذار"،&وجبهة الممانعة!&لا يسعنا والحال هذه، إلا أن نشكر هذه&السفارات&على هذا "التدخل"،&نشكر&إسرائيل،&والصهيونية العالمية&وأميركا،&وبعض دول الخليج.&لا نشكرهم بالنيابة عنا&وعن الثوار طبعاً،&نشكرهم&بالنيابة عن العهد وسيد&العهد، وبالنيابة عن لوردات الحروب،&وشيوخ&المنافع والقبائل&والطوائف، وبالنيابة عن&أصوات&ثبت تدخلها&في أوركسترا الحراك،&كانت&تعزف&عزفاً منفرداً،&مغايراً&لشعار "كلن يعني كلن"،&تستثتي&به&"السيد"&و"الأستاذ"&من النقد&تارة،&وتارة أخرى&تستثني&"البيك"، و"الحكيم"،&ووصل&"التسامح" عند&بعضها&حداً،&حملته&على الطلب من&"الشيخ"،&العودة إلى رئأسة الحكومة!&&

من يستفيد من هذه "التدخلات" المريبة؟&ولمصلحة من تقرع أجراس&الشائعات&التي صارت أشبه بزيتونة "مباركة"&يقطف&أثمارها&متى اقتضت الحاجة، من هم&على اليمين، ومن هم&على اليسار؟!&الآن الآن&وليس غداً،&&صرنا&نفهم&حقيقة التحالف الخفي بين&جماعات&8&آذار و14 آذار،&هذه&التي لا ينمو عودها،&ويشتد سعيرها،&وتدوم سلطتها،&إلا في&نظام&طائفي&قائم&على&الكذب&والنفاق.&في عملية حصاد صغيرة حول من استفاد ومن تضرر من هذه "التدخلات"، نجد رابحين وخاسرين.&من الرابحين،&زعماء&لبنان&الذين&احتفلوا قبل أيام بعيد&"استقلاله" الموهوم، ومن&يريدون&الإبقاء على البلد&بقرة، يستدرون&لبنها&وخيراتها.&هؤلاء&يستفيدون&من أي إشاعة&تشوه وجه الحراك،&وأي فتنة&تشق&صفوف المتظاهرين، لأنها تمدد&آجالهم&على&الكراسي! من الرابحين&أيضاً،&أصحاب الثروات&من صيارفة الهيكل،&ورجال&الدين وتجار السياسة، والسائرون&في ركبهم من البسطاء والأغبياء والجبناء والمرتزقة&وقطاع الطرق،&ولا&ننسى آخرين،&من حكام عرب و"مسلمين"، لا يريدون الثورة، ولا يروقهم&أن يكون لبنان&دولة مدنية علمانية،&خوفاً من أن تمتد&"عدواه" إلى القريب والبعيد!&&

&في عملية الحصاد هذه، يظهر&رابح أكبر هو&أكبر&من كل الرابحين، سواء صحت الشائعات عن "تدخله" أو لم تصح!&هويربح دوماً، من دون أن يصرف&قرشا واحداً على&اللعبة،&السبب&أنه&يلعب مع العرب!&لا ضرورة&أن نجهد أنفسنا، لنعرف أن الرابح&الأكبر&الذكي هذا،&هو&الصهيونية&العالمية&التي&لا&يسرها&شيء، كما يسرها العمل&بين ضعفاء،&وأن يبقى لبنان ضعيفاً متعدد الولاءات،&تسهل السيطرة عليه&وتتحول ثروته إلى الخارج!&نذكِر، إن ينفع التذكير،&بقول&برنارد لويس،&أحد عتاة الصهيونية، وأحد مفكريها الكبار، إن إسرائيل&قوية،&ما دامت&الدول&المحيطة بها طوائف وعشائر، وقوله في معرض آخر،&&إن ليس للعرب في تاريخهم إلا ولاءان؛ للدين أو للقبيلة!&هذا عن&هوية&الرابحين&والرابح الأكبر،&أما&الخاسر&وسط هذه&المعمعة، وهذا العجيج والضجيج،&فهو شعب لبنان.&لكن يخطىء&أهل السلطة،&المعتادون&ارتكاب الأخطاء&والآثام بحق هذا الشعب،&إذا اعتقدوا&هذه المرة، أن&شعلة&الثورة ستخبو،&وأن حبة اللولو المضيئة&ستضيع&بين&النفايات&والشائعات، لأن&&حبة اللولو هذه&هي&الأصوات&الصادقة&&الطالعة من&رحم الحرمان،&ومن&حناجر الجوع والبطالة والشجاعة،&وجيل&الشباب&والصبايا،&الذي هم وحدهم&بناة لبنان الجديد.&

&آمل أيها القارىء الكريم، خصوصا إذا كنت&من أنصار "حزب الله"، أن&تتأنى&معي، وتصوب رأيي إذا وجدتني&على خطأ،&وآمل&أن لا تظن بي&الظنون، فأنا من المؤمنين بوطن سيد حر&مستقل عن الشرق الغرب، وعن الفرس والترك والعرب. أعرف،&وأخالك تعرف أنه إذا لم يكن&لبنان حراً،&فمعاناته&ستدوم، وقد يأتي يوم تتغير فيه هويته! لست من الذين يستعدون&"حزب الله"، وأقدر،&بقدر ما أنت تقدر، دوره الخالد في تحرير الجنوب، لكن هناك كلمة يجب&أن تقال، وهي أن اليوم غير الأمس، وما&كان يصح& أمس من&الخطاب، لم يعد&يصح اليوم، لأن&الصراع ضد إسرائيل، وضد&أي عدو للبنان، لا يتوسع،&إلا عبر شراكة جماعية بين أبناء الوطن،&وفي دولة مدنية&علمانية&متجانسة،&ولأن&حصر&الصراع&&بطائفة معينة،&تتحمل&وحدها أوزاره وذيوله،&معناه&أن&لبنان&سيبقى&بلد&طوائف وعشائر&ضعيفة، وهذا&تحديداً&ما تريده الصهيونية، ويريده أعداء لبنان!&&

من المفيد أن نستلهم&التاريخ&في سطور&قليلة،&&لنؤكد&خطر الصهاينة.&جاء هؤلاء&إلى المنطقة هرباً من نازية الغرب،&لكن&حلمهم في&العودة إلى "أرض الوعد"،&بدأ&قبل أن يولد أدولف هتلر،&وقبل أن&تولد النازية، وقبل&الحرب العالمية الثانية بعشرات السنين. تحركوا في كل الاتجاهات،&وعقدوا الندوات&والمجالس،&وكان&أهمها المجلس&الصيهوني الأول في مدينة&"بازل"&في العام&1897،&بزعامة ثيودورهرتزل،&واضع&كتاب "الدولة اليهودية.&في هذا المؤتمر&كتب الصهاينة&النشيد الوطني الإسرائيلي، ورسموا&العلم&بنجمته المسدسة،&وشجعهوا&يهود المهاجر على العودة إلى&الأرض&التي وعدهم الرب (رب إسرائيل) بها، واستطاعوا، بذكائهم ودهائهم&أن يقيموا&عليها&دولة من أقوى الدول.&أعانتهم على&بنائها دول&شرقية&غربية، لكن العون الأكبر&قدمه&الفلسطينيون&والعرب! إذا سألتني أيها القارى الكريم كيف حدث ذلك، فجوابي هو أن العرب&لم يكونوا خونة أو مرتزقة، بل&كانوا ضعفاء، وكانوا وقبائل وعشائر&لذلك تمكن الصهاينة من بناء دولة بينهم!&هنا أسأل&نفسي، وأسألك:&لو أن "رب إسرائيل" لم يعد&"شعبه" بدولة في&فلسطين، بل&على جزء من ألمانيا، أو فرنسا، أو إسبانيا،&أو حتى فنلندا&الصغيرة، أو الدانمرك الصغيرة، هل كانت إسرائيل ولدت؟&قد تحار في الجواب، لكني&أوكد لك أنها ما كانت&رأت&النور&ابدأ،&ولو بعد مئات السنين! السبب أن تلك الدول&مدنية&منيعة،&متجانسة في روحها وثقافتها، لا&دول طوائف وعشائر،&يمكن أي قريب أو&بعيد، أن يتدخل في شؤونها، ويستبيح أرضها وكرامتها.&&

إذا كان "حزب الله" اليوم يرفع راية مقارعة&إسرائيل من بين سائر أحزاب الطوائف، فعلى القيمين عليه، بدءاً بأمينه العام، أن يدرك أن&لبنان الدولة المدنية&العلمانية هو&الراية الوحيدة التي&تحفظ&أمنه، وتمكن&لبنان من&الوقوف بوجه إسرائيل في ساحات المعارك، وفي&المحافل الدولية.&لا أشك ولو للحظة،&في صدقية&المنضويين تحت راية "حزب الله". هم&"شرفاء وطاهرين"، كما يسميهم&أمين عام الحزب، ولا أشك&في صدق السيد&حسن&ونزاهته، لكن هذا لا يكفي لكسب معركة العقول والقلوب في لبنان والعالم.&يعرف الجميع، أن "حزب الله"&مدرج&على لوائح&الإرهاب&في كثير من الدول. ندرك،&والسيد حسن&يدرك،&أنه&حتى&لو حرر "حزب الله"&التراب اللبناني&بكامله، والتراب الفلسطيني&بكامله، سيظل هناك&من&يناوئه العداء في&العالم العربي، لأنه&منطقة لم تبرأ بعد&من أثر&التاريخ القديم، وما زالت&المشاعر الدينية والغرائز القبلية&تتحكم به،&أكثر مما يتحكم به&أي عامل آخر،&وأي عاقل يعرف أن&هذا النظام اللبناني البالي والجائر،&سيبقي لبنان&معرضاَ& لمخاطر&داخلية وخارجية&كثيرة،&تهدد أمنه، وتبقي عليه طوائف&ضعيفة&لا تقوى على شيء.&

وراء قيام&إسرائيل عوامل كثيرة لا مجال للبحث فيها الآن،&أهمها ذكاء&اليهود في "تسويق" ما اعتبروه حقاً لهم أمام العالم، على الرغم&من أن هذا "الحق" لم يكن&إلا سرقة مفضوحة لأرض ليست لهم. المسألة إذن مسألة تسويق (ماركيتينغ).&من&جهة أخرى نرى&"حزب الله" موسوماً&بالإرهاب، ما&يعني أن ثمة خطأ في&النهج&على الحزب&أن يتدراكه، وأن يقبل بدولة مدنية علمانية، لأن وجوده في نظام&طائفي، يعني أنه حزب&مذهبي،&وهل هو&غير ذلك&الآن؟!&لا مصحلة للبنان بعد،&في نظام طائفي تتحكم&الشياطين&بمقاليده، وليس من&مصلحة "حزب الله"&أن يكون&طائفيا أو مذهبياً،&ولا سبب وجيهاً لديه ليخشى الدولة المدنية ويرفضها أو يحاربها.&ينحر"حزب الله"&نفسه إذا نحرها، لأن انتصارها&حتمي، وإذا لم يأت اليوم فسيأتي غداً&لا&محالة، ذلك&هو حكم الزمن.&في&لبنان&الدولة&المدنية،&لا يعود&الصراع&ضد&الصهيونية&إرهابياً، بل يصبح&شرعياً&في مجالس دول العالم،&حتى&داخل الكونغرس الأميركي.&على "حزب الله" أن يعي&هذه الحقائق، ويدرك&أن&الدولة المدنية،&هي&الدولة الوحيدة&التي توفر&هذه المناعة، وتوفر للناس جنتهم في&الأرض، أما&الجنة&التي&في الأعالي، فهي&للمؤمنين،&لا&لمستغلي الأديان، ولا&للغلاة&الذين&يأخذون من الدين قشوره وطقوسه، ويتركون جوهره ولبابه.&&

ما يدمي&القلب&حقاً،&ويحز في نفس&كل لبناني حر، وكل عربي حر،&أن يكون لبنان والعرب&على عداء مع إيران!&لا أمتان&في التاريخ،&تشاركتا&في&مدارج&التصوف والروحانيات، وفي العلم بألوانه المختلفة، وفي&الثقافة والفلسفة والأدب والشعر،&كالمشاركة التي&كانت قائمة بين العرب والفرس.&ليس المطلوب من&"حزب الله"&أن يقطع علاقته مع إيران،&أو&يغير اسمه. هناك أحزاب كثيرة&تنتحل صفات دينية، حتى داخل أوروبا العلمانية، لكن على "حزب الله" إذا أراد أن يسترد شعبيته،&أن يكون حزباً لبنانياً،&وأن&يعيش مع العصر وحركة الحياة، أن يناضل&&ضمن&دولة مدنية&علمانية،&لأن هذه الدولة&تحميه&من مكائد&زعماء&الطوائف،&وتصون الوطن، وتنشر&العدل والمساواة&بين الناس، لأنها قائمة&على شراكة الجميع ورضاهم، ولأنها كما سبق وقلنا غير مرة،&هي&دولة "الله" الوحيدة على الأرض، وماعداها&جحيم&في الأرض،&وجحيم&في&السماء.&

&هنك من&يغض&من&"حزب الله"،&ومن شأن&السيد حسن،&إرضاء&لهذا ا&لزعيم&الطائفي&أو ذاك.&مواقف هؤلاء نابعة&أيضاً&من غرائز دينية،&أو&مصالح شخصية،&وهم&لا يختلفون&عن&البسطاء&والقطعان التي تتبع الزعماء الأخرين إلا في اللغة والمظهر!&في المقابل، هناك من&يأخذ على "حزب الله" مآخذ كثيرة، لكنه&يريد أن يحب السيد حسن،&حب&الأحرار والعقلاء،&وحب المدافعين عن&الحرية&التي&هي أثمن ما&في الوجود، ويتمنون&عليه&أن يكون&عربي الهوى،&لبناني الهوية،&قبل أي شيء آخر،&وأن تكون صلاته&خفية،&بينه وبين السماء!&لا أحد يشك في&ذكاء الرجل&وبلاغته وفصاحته&وحجته،&وقدرته&على الإقناع، وأملنا&أن يقنع&&الحكام&في طهران،&بأن لبنان بلد&خاص،&وخاص جداً، وفريد من نوعه في هذا الشرق، وبأن&لا خيار&أمام هذا البلد الصغير،&ليبرأ من أوجاعه ويتحررمن&الفساد&والفاسدين، إلا خيار&الدولة المدنية العلمانية.&على&الحزب&أن يدرك&هذه الحقائق،&ويعيش مع عصره،&ومع&حركة الحياة، وإذا اتفق أن&جاء يوم&دعا&فيه&إلى&هذه الدولة المنشودة،&وقرر المشاركة&في بنائها،&فسيكون يوم&نصر كبير لا يضاهيه&أي&نصر آخر،&يحفظه&له&التاريخ،&ويكتبه&بماء الذهب.&&

&