&أكرم مكناس

& &تبقى السعودية نقطة الارتكاز والعمود الفقري للخليج والمنطقة، وربما العالم، ودائما ما قلت إنه ليس هناك من بيت عربي إلا ويتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالحراك الاقتصادي السعودي، هذا إذا لم نقل بيوتا كثيرة في باكستان والهند والفلبين وبنغلاديش، حتى في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

والحمد لله الذي أنعم على السعودية بقيادة حكيمة منذ الملك عبد العزيز طيب الله ثراه الذي استطاع توحيد تلك الأراضي الشاسعة تحت راية واحدة، ثم أكمل أبناؤه المسيرة من بعده، وحافظوا على معدلات تنمية عالية، انعكست إيجابا على المواطن السعودي أولا وعلى الناس في سائر المنطقة ثانيا.

واليوم لدينا قائد شاب برؤية اقتصادية ثاقبة هو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، الذي طرح برنامجا طموحا جدا لنقل المملكة إلى مستويات متقدمة جدا من الرقي، وبناء اقتصاد حديث يضاهي الدول المتقدمة، وتفعيل الطاقات الكبيرة الكامنة لدى السعوديين، رجالا ونساء، وإشراكهم بفاعلية في نهضة وطنهم.

وها نحن نرى جانبا من ثمار ذلك في النجاح غير المسبوق لعملية طرح أسهم أرامكو في السوق المالي السعودي، هذا الطرح الذي اعتُبِر الأكبر من نوعه في التاريخ على الإطلاق، والذي تطلب جرأة كبيرة لا يقدم عليها إلا القادة الشجعان.

لقد نجح الطرح بكل المعايير المالية، وحققت المملكة أهدافها المعلنة من ورائه وجمعت 96 مليار ريال في أكبر اكتتاب عرفه التاريخ لشركة تجاوزت قيمتها السوقية قيمة أي من الشركات المدرجة في كل بورصات العالم والمتداولة اليوم، ومن المرتقب أن تستثمر الحكومة السعودية من خلال صندوق الاستثمارات العامة تلك الأموال لتنويع الاقتصاد وتنمية القطاعات غير النفطية، وسينعكس ذلك إيجابا بلا شك على نمو الاقتصاد غير النفطي وزيادة عدد المشاريع ومعدلات التوظيف.

رغم كل ذلك لا زالت وسائل إعلام غربية شهيرة مثل «الفايننشال تايمز» تواصل شن هجموها على طرح أرامكو، فبداية شككت تلك الوسائل بقدرة الحكومة السعودية على جمع المليارات من خلف الطرح، وعندما نجح الطرح نجاحا دامغا انتقلت تلك الوسائل للتقليل من أهمية ذلك النجاح، حتى أن بعضها اعتبره سيكون سلبيا على الاقتصاد السعودي!.

لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسية، لكن بالمقابل لا يجب إقحام السياسية في الاقتصاد عنوة بهدف الإساءة للاقتصاد، ويجب أن نفهم السعودية جيدا، ونفهم الخصوصية الثقافية التاريخية الديموغرافية لهذا البلد العروبي المسلم قبل أن نصدر آراء طوباوية فيه.

فمهما كانت آرائك في السعودية، عليَّ أن أضعك أمام حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، وهي أن السعودية التي حباها الله تعالى بثروة نفطية هائلة تمكنت خلال تاريخها من الحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق معدلات نمو اقتصادي وتنمية مرتفعة، فيما هناك في العالم دولا أخرى فيها ثروات نفطية تكاد توازي ما لدى السعودية، لكن زعمائها الغوغائيين اختاروا طرقا غبية للحكم، وباعوا مواطنيهم الأحلام وأغرقوا بلادهم في الفقر والاضطرابات التي لا تنتهي، ولنا في إيران وفنزويلا ونيجيريا والعراق مثالا على ذلك.

ما الذي أجنيه كمواطن من الأكاذيب الكبيرة حول الديمقراطية والتحرر ومقارعة الاستعمار وأولادي ينامون جياع؟ وأنا أرى بلدي يعوم على بحار من النفط لكنه يغرق في الظلام والبرد؟

أرامكو شركة فريدة من نوعها في العالم، لديها أصول حقيقية ملموسة من حقول نفط ومعدات وناقلات وغيرها، ولديها حجم تدفقات هائل، وتستخدم أحدث التقنيات في مجال الاستكشاف والحفر والاستخراج والنقل، وأسهمت في إقامة مدن حديثة، وتنمية مجتمعات متكاملة، لذلك لا يمكن مقارنتها بأي شركة عالمية أخرى لا جنرال موتورز ولا إكسون وبيل ولا آبل أو علي بابا وغيرها.

لابد من التنويه بأهمية استيعاب السوق المالية السعودية «تداول» لطرح اكتتاب أرامكو دون أن يحدث ذلك خلخلة في باقي الأسهم، كما أننا لم نشهد خلخلة في أسواق المال الخليجية الأخرى، وهذا يعني أن الطرح تم بهدوء وسلاسة، وكأنه جرى بالفعل في سوق مالي عالمي، وهذا ما ينعكس إيجابا على جميع الأسواق الناشئة في المنطقة، كما يعزز الثقة بقدرة «تداول» على استيعاب الطرح الدولي المرتقب لأرامكو، هذه الشركة التي باتت قيمتها السوقية تفوق اليوم أكبر خمس شركات نفط في العالم مجتمعة، وهي شركات: إكسون موبيل، وتوتال، وداتش شيل، وشيفرون، وبريتش بتروليوم.

هناك مخاطر ترافق طرح أرامكو، وهذا صحيح، هناك مخاطر بشأن أسعار النفط المنخفضة نتيجة تراجع الطلب العالمي النفط الخام، إضافة إلى أزمة تغيير المناخ والمخاوف من تصاعدها، والمخاطر الجيوسياسية في المنطقة، لكنها مخاطر تبقى مقبولة ومنطقية مقارنة مع أي وجهة استثمارية أخرى في العالم.

لقد مثَّل إدراج أرامكو في البورصة السعودية أفضل فرصة استثمارية في آخر 30 سنة، وبات من المؤكد الآن أنه على المستثمرين الأجانب والأسواق المالية الدولية وكذلك الحكومات الأجنبية التخلي عن حذرهم إزاء الاستثمار في أرامكو، كما أنه من الأجدر بالدوائر التي تتربص الشر بأرامكو وبالسعودية أن تعرف أنها عندما تهاجم أرامكو فإنها تطلق الرصاص على قدميها، وأن أرامكو ليست «أرامكو السعودية» بقدر ما هي «أرامكو العالمية» بكل ما في الكلمة من معنى.

&