تقبُّل النقد من قبل المنظمات يرجع في المقام الأول إلى ثقة المنظمة بأدائها، وهذا النوع من المنظمات يضع آلية للتقييم من الداخل والخارج، من العاملين ومن المتعاملين، ويملك الثقة لإجراء دراسات مستمرة عن الرضا الوظيفي، ودراسات أخرى للتقييم من الخارج للخدمات أو المنتجات..

في مناقشة أداء هيئة حقوق الإنسان بمجلس الشورى، أشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية إلى ملاحظة مفادها توسع الجهات الحكومية في استخدام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية؛ لمنع المواطنين من حقهم في تقييم أدائها وتوجيه النقد لها، وهو حق أساسي مكفول لهم في الشريعة والأنظمة المحلية والاتفاقيات الدولية. (الرياض/ 15 ربيع الآخر 1441).

نعم، التقييم حق ووسيلة للتغيير والتطوير، والنقد الموضوعي الهادف البناء مطلب وضرورة، وعملية يجب أن تكون مستمرة. هذا النوع من التقييم لا يخضع لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. وهذا النوع من التقييم يستند على معلومات وحقائق ومعايير موضوعية ويكتب بلغة علمية يشخص المشكلة ويقترح الحلول. أما النوع الآخر الذي يتمثل في انطباعات سريعة مكتوبة بلغة هجومية إنشائية تتضمن الإساءة والتشكيك وتوزيع التهم من دون دليل - فهذا لا يصنف في خانة التقييم. هذا النوع لا يقيم الأداء، ولكن يركّز على الأشخاص، وقد يصل إلى مستوى يعرض مصدره للمساءلة؛ لأن الشخص المتهم من حقه الإنساني أن يدافع عن نفسه وسمعته.

بهذا المنطق لا تستطيع الجهات الحكومية استخدام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لمنع التقييم، لكنها تستطيع فعل ذلك في حالة النقد الذي يتضمن الكذب أو يستند إلى إشاعات أو يوجه اتهامات ويتعرض للأشخاص بما يمس أخلاقياتهم.

إن أحد أهداف نظام مكافحة جرائم المعلوماتية هو حماية المصلحة العامة والأخلاق والآداب العامة. ومن الجرائم التي يعاقب عليها النظام التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل المعلومات المختلفة، وهذا سلوك لا علاقة له بالنقد.

هناك نوع آخر من النقد المباشر الذي يأتي كرد فعل عندما يتابع أحد المراجعين معاملته في جهاز معين، فيلاحظ طول الإجراءات، أو تأجيلًا بلا مبرر، عندها يتشجع المراجع وينتقد الأداء ويبدي ملاحظاته للموظفين. سيتم الترحيب بهذه الملاحظات إذا كانت منطقية في جهاز معين، وسيتم رفضها في جهاز آخر حتى لو كانت منطقية، وقد يلجأ الموظف إلى تأخير المعاملة أو تعطيلها لأي سبب ردًا على نقد المراجع. يتم تقبل النقد على الثقافة السائدة في بيئة العمل وعلى الطريقة التي يتم فيها طرح النقد.

تقبل النقد من قبل منظمات أو أفراد يرجع في المقام الأول إلى الثقة، ثقة المنظمة بأدائها لا يمنعها من البحث عن الأفضل، وهذا النوع من المنظمات يضع آلية للتقييم من الداخل والخارج، من العاملين ومن المتعاملين، ويملك الثقة لإجراء دراسات مستمرة عن الرضا الوظيفي، ودراسات أخرى للتقييم من الخارج للخدمات أو المنتجات. على مستوى الأفراد، يرحب من يثق بنفسه بالنقد الموضوعي ليستفيد منه، ويرفضه آخرون يلجؤون إلى تبرير الأخطاء وربما إسقاط أسبابها على الآخرين.

من النصائح التي توجه إلى المنظمات والأفراد لتقبل النقد المبادرة في طلب النقد بدلاً من انتظاره، وتجنب الأسلوب الدفاعي في التعامل مع النقد، والتعامل مع النقد بمواقف إيجابية تؤمن بأن من يسلم من النقد هو من لا يعمل ولا يبادر ولا يتخذ قرارات، كما تؤمن بأن النقد لا يأتي من فراغ، وبأنه مهم في التطوير والبحث عن الأفضل.

ماذا عن الانتقادات المتسرعة غير الموضوعية التي لا تصل إلى مستوى الجرائم الإلكترونية؟ كيف يكون التعامل معها؟ أعتقد أن الأسلوب المناسب للتعامل مع هذا النوع من الانتقاد هو دعوة صاحبه والجلوس معه في حوار أسئلة ومعلومات وآراء واقتراحات، فقد تتضح للناقد صورة مغايرة لما دفعه إلى الانتقاد المتسرع. أما الأسلوب الآخر للتعامل مع هذا النوع من الانتقاد الذي يرفض وينفي ويدافع، فهو أسلوب غير مجدٍ، ويعطي انطباعات سلبية عن المنظمة والمسؤولين فيها.