عبدالجليل معالي

وصلت مشاورات تشكيل الحكومة التونسية إلى لحظاتها الأخيرة، لكن الملاحظة الأبرز في ما يتصل بالمسار السياسي التونسي منذ تكليف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة منتصف شهر نوفمبر الماضي، وسبب إعلانه الذهاب لتشكيل حكومة مستقلة عن كل الأحزاب السياسية، هو أن هذا المسار طُبع بالارتجال الذي طغى على كل المراحل السياسية والدستورية، لكن السؤال الأبرز الذي تعلق بالحكومة التي أفرج الجملي عن مكوناتها مساء الخميس الماضي كان سؤال الاستقلالية.

تدخل تونس مرحلة جديدة موسومة بالتعقيد على صعيد الاقتصاد والسياسة والأخطار المحدقة من الجوار الليبي، وهي مرحلة تفترض أن تتصدى لتحدياتها طبقة سياسية متماسكة مدججة بالخبرات الاقتصادية والدبلوماسية، لكن ما أفرجت عنه الأيام الأخيرة، بيّن أن تشكيل الحكومة كان غاية أكثر من كونه وسيلة لإخراج البلاد من أزماتها.

كُلّف الجملي بتشكيل الحكومة، وقيل إنه مستقل رغم أنه اضطلع سابقاً بخطة كاتب دولة لدى وزير الفلاحة بين 2011 و2014، ودفعت به النهضة من الصف الثاني وتجنبت الزج بقياداتها في أتون المعركة السياسية وراوغت به شروط الخصوم.

تعطلت مشاورات تشكيل الحكومة، وكانت العقبة بين النهضة وخصومها من الأحزاب المشاركة في المشاورات (التيار الديمقراطي وحركة الشعب) هي توفير حد أدنى من الاستقلالية عن الحركة، فاضطر الجملي أواخر ديسمبر الماضي، للإعلان أنه ذاهب نحو تشكيل حكومة «مستقلة عن جميع الأحزاب».

كانت «الاستقلالية» شعاراً قابلاً للتكييف من قبل التشكيلات السياسية، قرأته النهضة على أنه ستار تختفي وراءه وتنأى به عن معارضة المعارضين، ورأت أحزاب المعارضة أنه السلاح المتبقي لإيقاف مسار التمكين النهضوي، وهنا كانت «استقلالية» الحكومة وزراً جديداً سيضاف إلى أوزار المرحلة الجديدة.

والواضح أن لكل طرف سياسي فهمه الخاص للوزير المستقل هل هو الوزير غير المتحزب، أم هو المسؤول التكنوقراط الذي يتخذ مسافة عن الانتماء السياسي والأيديولوجي، أم هو مجرد ابتكار سياسي يسمح بتقديم قيادات الصف الثاني في الأحزاب ممن لم يعرف لهم ظهور إعلامي وسياسي واضح وملحوظ؟

الحكومة المستقلة هي منجز اقترفته الأحزاب الغالبة (النهضة في المقام الأول) لكي تنحني حتى تمر العاصفة، وثانياً لكيلا تتحمل مسؤولية النتائج، وثالثاً لكي تحكم من وراء ستار، وأخيراً لأنها لا تملك بدائل أخرى غير الإيهام بأنها بصدد التضحية بالمصلحة الحزبية في سبيل مصلحة الوطن.

الحكومة المستقلة عن الأحزاب هي وهم جديد يسوّق في تونس، غيّرت من خلاله الطبقة السياسية مواقعها من دون أن تفرّط في الحكم.