هاني سالم مسهور
قبل أن يوقع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وثيقة الوحدة مع الرئيس الجنوبي علي سالم البيض في 22 مايو 1990، كان عليه أن يتمم صفقة من الصفقات التي لم يكن هو قبل غيره، يعتقد أنها ستكون الخنجر المسموم الذي سيُطعن به في ظهره، حدث ذلك عندما طلب من عبدالله حسين الأحمر تشكيل حزب «التجمع اليمني للإصلاح» للعب لعبة يتم بها إقصاء الشركاء الجنوبيين عن السلطة السياسية.
كانت صفقة ونجحت كما خُطط لها تماماً، وتنظيم «الإخوان» حظي بتمثيل سياسي لم يحصل عليه كافة أفرع التنظيم في العالم، وكنتيجة طبيعية للتشكيل السياسي حدث التصادم بين الجنوب الليبرالي والشمال القبلي بأبعاده المؤدلجة لتقع حرب صيف عام 1994، وتنتهي حرب السبعين يوماً بغزو الشمال للجنوب، بعد أن أصدر «الإخوان» فتاوى التكفير، فتمت استباحة الأرض وما عليها، وفرضت سياسة الأمر الواقع.
في تلك الحرب، لم يتسلل الأفغان العرب إلى المحافظات الجنوبية، بل تم دعوتهم وتوفير كافة المتطلبات لهم بطرق رسمية، الأكثر من ذلك حصلوا على الرتب العسكرية والمرتبات، وتم توفير المعسكرات في كافة التراب الجنوبي، كانوا جزءاً لا يتجزأ من المنظومة السياسية والعسكرية، فالصفقة التي سبقت الوحدة سوغت كل ما بعدها.
بعد وفاة عبدالله الأحمر2007، حدث ما لم يكن متوقعاً، فالصفقة لم تراع رحيل أحد من الطرفين، وهنا حدث الصراع بين «الإخوان» وعلي عبدالله صالح، الصراع أخذ شكلاً سياسياً إلى أن حانت فرصة الانقضاض التي كانت في فبراير 2011، عندما وصلت رياح ما يسمى «الربيع العربي» إلى صنعاء وتعز، فكانت المعركة بالطريقة اليمانية.
ظن علي صالح، أنه قادر على أن يخوض المعركة مع خصومه بالطريقة التقليدية، وهي مواجهة الحشود بالحشود، فكما كان يحشد حزب «الإصلاح» في الشوارع، كان «صالح» يحشد أضعافهم في ميدان السبعين، معركة الحشود انتهت بالغدر عند محاولة اغتيال علي صالح في مسجد النهدين، هنا فقط انتهت الصفقة وكشفت الأوراق، وأظهرَ كل طرف وجهه من دون أقنعة، لم يكن صالح يعتقد أن يُلدغ تلك اللدغة من أفعى من أفاعي، كان هو الذي يطمعها ويسقيها في إطار أن يكون الجنوب كله مربوطاً من عنقه على باب صنعاء.
أصيب صالح، وبدأت مرحلة صفقات جديدة: «الإخوان» عقدوا صفقة مع «الحوثيين» وافتعلوا من المعارك، ما أخرج «الحوثي» من كهوفه في صعدة ليزحف من شمال اليمن حتى وصل إلى عمران، وكان على تخوم صنعاء، كانت كل الصفقات تمنح «الإخوان» المسوغ السياسي لبقائهم في المشهد، فلم يسقطوا أبداً مشروعية وجودهم، وهو ما تداركه «الحوثيون» لاحقاً، وتسللوا عبر ما يسمى مؤتمر الحوار الوطني ليحصلوا على شهادة زور تمكنهم مما تمكن منه «الإخوان» من قبلهم، حتى تساوت الرؤوس في صراع الأفاعي.
«الإخوان» يبرمون صفقة أخرى، لكن هذه المرة ليست في اليمن، بل أبعد من ذلك، عندما تلقوا من التنظيم الدولي لـ«الإخوان» تعليمات وفقاً لما تم تدبيره في تركيا، باتفاق مع الحرس الثوري الإيراني بتسليم صنعاء للحوثيين، لتتمكن أفاعي اليمن من تهديد الأمن السعودي، وهذا ما تم بتسليم صنعاء دون مقاومة تذكر لتسقط محافظات الشمال الواحدة بعد الأخرى في قبضة إيران.
عدن كانت اختباراً صعباً، ففيها لا يمكن أن تُبرم الصفقات، فعندها انهزمت جحافل «الحوثيين»، وبعد أن خسروها استعان «إخوان» اليمن بأذرعهم من تنظيمات «القاعدة» و«أنصار الشريعة» و«داعش» تلقوا التوجيهات من قيادتهم العُليا، وتسللوا إلى عدن، وحاولوا تكرار ما فعلوه في صنعاء بمحاولة اغتيال «خالد بحاح» في حادثة القصر وفشلوا، وحتى أغسطس 2019 كانت الحرب سجالاً حتى دحرتهم قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وتتطهر عدن من رجس الجماعات التكفيرية.
التعقيدات في المشهد اليمني بامتداداتها التاريخية تشكل الصعوبة في الخروج من النفق المظلم، «الإخوان» و«الحوثيون» يمتلكون معاً شرعية سياسية لا يمكن تجاهلها والتعاطي معها كأنها ليست واقعاً، فالتشكيل الحزبي يمنحهم حصتهم السياسية، التي يتقاسمونها بين المؤسسة الشرعية المنقلب عليها منذ سبتمبر 2014، في واقع فرضته سنوات من صراع الأفاعي غير المكترثة بالأمن القومي العربي، فضلاً عن عدم اكتراثها بمصير ملايين البشر المتضررين بالجوع والفقر والبؤس من ذلك الصراع المستدام.
«إخوان» اليمن ينظرون إلى عدن والمكلا كجائزة من صفقة 1990، وينظرون إلى صنعاء كصفقة مؤجلة بيد شيوخ قبائل سيجتمعون يوماً ما بتقاليد اليمنيين، ليضعوا الثور بينهم ويرفعوا الخناجر من على خواصرهم، ويعودوا إليها كما عاد لها أجدادهم وآباؤهم من قبلهم، فهذه موروثاتهم وتقاليدهم وسيتعايشون فيها ويعودون لسيرتهم الأولى بتعليم أبنائهم أنهم ضحايا لجيرانهم، ليهربوا من حقيقة فشلهم في الانتقال من دولة القبيلة إلى الدولة الحديثة.
«إخوان» اليمن سيبقون خنجراً في خاصرة الجزيرة العربية شأنهم شأن «الحوثيين»، ولن يكونوا يوماً سوى خناجر غدر متى ما جاءتهم أوامر الطعن سيطعنون في الخاصرة، وليتذكر العرب أن من اليمن نشأ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، وأن التنظيم أنجب «الدواعش» من رحم بطن الشيطان تنظيم «الإخوان»، فهل هناك من ينتظر من هؤلاء خيراً، من بعد كل ما كان وما حصل!
التعليقات