خالد أحمد الطراح

ربطت هيئة مكافحة الفساد (نزاهة) أخيراً، بين «تراجع الكويت سبعة مراكز دولية على مؤشر مدركات الفساد لعام 2019؛ إذ حلّت في المرتبة الـ85 عالمياً، بعدما كانت الـ78 عام 2018»، ودور السلطة الرابعة (الصحافة)، في ما يتعلّق بنشر أخبار الفساد! فقد عزت «نزاهة» «ذلك التراجع إلى عدم إقرار جملة من التشريعات، وتداول أخبار الكثير من قضايا الفساد، ما أثر في مستوى الثقة بين المجتمع والدولة، وأشاع انطباعاً بعدم إنفاذ القانون على الفاسدين واسترداد الأموال وفق توصيات منظمة الشفافية الدولية». وذكرت «نزاهة» «أن التشريعات المتأخّرة، التي تصب في مصلحة تحسين موقف الكويت بالمؤشر، تتضمن قانون تعارض المصالح، وحق الاطلاع وتنظيم الحصول على المعلومات، وتنظيم تعيين القياديين، وتنظيم تمويل الحملات الانتخابية، مشددة على ضرورة إقرار قانون الجزاء، بغية جعل رشوة الموظفين العموميين جرماً جنائياً، إضافة إلى تجريم الرشوة في القطاع الخاص».

نشكر هيئة نزاهة الحكومية على الاعتراف بمؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وهو تصويب للموقف الذي جنح اليه رئيس المستشارين الفنيين لمكافحة الفساد، التابع لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، اركان السبلاني، حين وصف تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2017 بأنه «ظالم»، وهو من شارك في وضع الاستراتيجية الوطنية الكويتية لمكافحة الفساد! لعل إدراك «نزاهة»، وان جاء متأخّراً، بمصداقية مؤشر مدركات الفساد برهان على ضرورة التعامل مع متطلبات الشفافية الدولية، وهو ما يقتضي اعادة النظر في طبيعة الاعتماد على المستشارين الدوليين، كالسيد السبلاني، الذي طعن في مصداقية منظمة دولية علناً بالصحافة، وهو أسلوب غير مهني مطلقاً. اما بالنسبة الى الأخبار عن الفساد، فهذه الأخبار ليست مفبركة، وإنما هي أخبار محلية ودولية ايضا، ذات صلة بالواقع الكويتي، الذي يئن منه المال العام منذ سرقة استثمارات الدولة في اسبانيا، وقضية الناقلات، والكثير من الملفات الاخرى، كقضية المدير العام الاسبق للتأمينات الاجتماعية، فهد الرجعان، فما زلنا نجهل نهايتها، وإذا كان فعلا سيتم تسليم المتهم الرجعان من قبل السلطات البريطانية الى الكويت ام لا؟!

حين يكون لدينا فساد بلا حدود، فذلك يعني وجود بيئة حاضنة للفساد، ويعني ايضا غياب الادارة الرشيدة لانتشال الدولة من مستنقعات الفساد والتعيينات «الباراشوتية»، التي تتم غالبا بمباركة حكومية! فالهياكل العليلة تلد فسادا اداريا، وهي معادلة ليست حديثة، ولا تحتاج مستشارين دوليين لمعالجة هياكل جرى اهمالها، والتهاون معها كظاهرة شائعة تحوّلت في ما بعد الى قنابل قانونية تشهد عليها المحاكم. مثلا، ادارة الفتوى والتشريع، أي محامي الدولة محلياً ودولياً، تفتقر الى هيكل فني للمحامين حتى اليوم! هناك امثلة عديدة على ان الادارة الحكومية تعيش على سياسة رد الفعل، وهو دليل آخر على غياب العمل المؤسسي، فضلا عن عدم وجود خطة اعلامية جماهيرية لتعزيز المشاركة الشعبية في القضايا المصيرية لترجمة «رؤية نزاهة»، وهو ما يحول دون اجتثاث جذور الفساد والنهوض بالدولة نحو آفاق واعدة. نتمنى ألا تفاجئنا «نزاهة» يوما بطلب عدم نشر تقارير ديوان المحاسبة عن المخالفات في الجهاز الحكومي. اما عن التأخير في التشريعات، فالمسؤول بالدرجة الاولى الحكومة والنواب الموالون لها، سواء قبل مولد الحكومة العليلة الحالية او قبل ذلك! الشعب الكويتي، فعلا، فاقد الثقة بالحكومة والإصلاح المزعوم.