عبدالجليل معالي

في أقل من شهر واحد، لم يرَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضيراً في «اللعب» بتصريحات نظرائه من الرؤساء العرب الذين التقاهم، الرئيس التونسي قيس سعيّد، ثم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

التقى أردوغان قيس سعيّد في تونس، يوم 25 ديسمبر 2019، وكان واضحاً أن اللقاء كان محوره المسألة الليبية، وبعد اللقاء عاد أردوغان إلى تركيا وصرح في اجتماع حزب العدالة والتنمية الحاكم عن لقائه مع الرئيس التونسي قائلاً: «ناقشنا المسألة الليبية بكل أبعادها ووصلنا إلى اتفاق لتقديم الدعم اللازم إلى ليبيا من أجل استقرارها».

ردَّت الرئاسة التونسية في بلاغ رسمي مفندة كلام أردوغان وقالت «رئيس الجمهورية حريص على سيادة تونس واستقلالها وحرية قرارها، وهو أمر لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات أو نقاش، ولا توجد ولن توجد أي نية للدخول لا في تحالف ولا في اصطفاف».

وبعد لقائه مع الرئيس تبون يوم 26 يناير الماضي، عاد أردوغان إلى أنقرة وأطلق تصريحات مفادها: أن الرئيس الجزائري قال له: «إن فرنسا قتلت 5 ملايين جزائري»، وأضاف: «علینا أن ننشر هذه الوثائق لیتذكر الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أن بلاده قتلت 5 ملايين جزائري».

كذَّبت الرئاسة الجزائرية التصريح واعتبرت أن المسائل المعقدة المتعلقة بالذاكرة الوطنية التي لها قدسية خاصة عند الشعب الجزائري، هي مسائل جد حساسة، ولا تسهم مثل هذه التصريحات في الجهود التي تبذلها الجزائر وفرنسا لحلها.

في تونس وفي الجزائر، لم ينقل أردوغان ما سمعه من مضيفيه، بل أعاد على أسماع أعضاء حزبه ما كان يريد سماعه.

لقد اختط رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو «سياسة تصفير المشاكل» ومنذ استقالته في عام 2016، استعاضت تركيا عن هذه السياسة باندفاع سياسي تَمَثل أوجه في استباحة التدخل في شؤون بلاد أخرى كثيرة.

والآن تكتمل أضلع مربع الأزمات التركي، بامتعاض تونسي وجزائري وغضب فرنسي، ورفض شعبي ليبي، وتوتر مع الحليف الروسي على خلفية ما يحدث في سوريا، وما صرح به أردوغان أثناء زيارته لأوكرانيا وما تضمنه من عدم اعترافه بضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

يسير أردوغان وحيداً، ويُحكم نسج أسوار عزلته غير واعٍ بأن حسن هندسة العلاقات الدبلوماسية يحدد المآلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولن يحتاج التحليل إلى إضافة الخصومات التي يصنعها رئيس تركيا داخل بلاده مع كل المكونات السياسية والعرقية والاجتماعية والقطاعية.

سياسة «الصفر مشاكل» ذهبت أدراج رياح ينفخها أردوغان في أكثر من اتجاه، وتعيش تركيا مرحلة سياسة الصفر صديق.