عبدالجليل معالي

أفصح إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية المكلف، مساء الأربعاء الماضي عن تشكيلة حكومة «معدّلة» تتكون من 23 وزيراً بين مستقلين وحزبيين.

وصف «معدّلة» الذي رافق الحكومة التي توصل الفخفاخ إلى إخراجها من أتون الصراعات السياسية، هو وصف يشي بما كابدته الأحزاب السياسية من أجل أن ترى تلك الحكومة النور، وتتجنب البلاد مأزقاً سياسياً يمكن أن يؤول إلى إعادة الانتخابات البرلمانية.

على أن الوصول إلى «تعديل» لم يكن يحيل إلى أن «السياسة فن الممكن» وفق التعبير الرائج، بل كان يعبّر عن ضغوط ومناورات مارستها حركة النهضة على الفخفاخ وعلى خصومها.


الحكومة التي ستمثل أمام البرلمان لنيل التصويت، وهو ما سيحصل بالتأكيد، عنونت أغلب الأحزاب هويتها بكونها «حكومة وحدة وطنية»، ولكن هذا الوصف المريح لا يمنع من طرح أسئلة عن قدرتها على الحفاظ على وحدتها؟ وقدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

هنا بالتحديد يحق لحركة النهضة جرد مكاسبها من الحكومة ومن الأجواء التي رافقت تشكيلها، حيث توصلت إلى ضبط الإيقاع السياسي للبلاد طيلة أسابيع مشاورات التشكيل.. ناورت ورفعت من سقف مطالبها وفرضت حزب «قلب تونس» شريكاً دونه التلويح بعدم التصويت لحكومة تقصي «شريكاً وطنياً» كان في الأمس القريب موصوماً بالفساد.

لقد نجحت النهضة في صناعة انتظار جماعي لمقررات مجلس شوراها، الذي أطنب في عقد الاجتماعات، وكان على الرأي العام أن يتعود على مخرجات اجتماعاتها، وأن يطبّعَ مخيّلته السياسية مع هيكلية الحركة ومؤسساتها.

تم التوصل إلى تشكيل حكومة الساعة الأخيرة بعد أن تدخلت المنظمات الوطنية (اتحاد الشغل، واتحاد الصناعة والتجارة) بثقلها للفت انتباه الفاعلين السياسيين إلى ما ينتظر البلاد من استحقاقات اقتصادية واجتماعية، هي أهم حتماً من التركيز على مكاسب الأحزاب ومناباتها في المشهد السياسي المقبل.

ومع ذلك ذهبت الأحزاب إلى القبول بالرداء الجديد الذي ألبسه الفخفاخ حكومته، لا لأن البلاد تحتاج إلى وضع مستقر يجعل الحكومة تباشر معالجة الأزمات العاجلة، بل لأن البديل عن الحكومة سيكون اضطراراً دستورياً هدد به الرئيس قيس سعيّد وهو حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

الثابت أن حكومة الفخفاخ ستعاني في مباشرة نشاطها ما عانته في مشاورات تشكيلها، والسبب برلمان مشتت وحزب أغلبي يتحرك بعقلية الهيمنة، ومعارضة تقودها ردود الأفعال دون بدائل أو برامج، ورأي عام ضبط ساعته السياسية على ساعة مجلس شورى النهضة.

حكومة الساعات الأخيرة في تونس كانت حكومة اضطرار سياسي أكثر من كونها حكومة انتشال البلاد من أزماتها.