عبد اللطيف المناوي

رحل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بعد أن خُلع من حكم استمر 30 عاماً، وهو ينتمي إلى جيل القادة المحاربين، فقد اختاره عبدالناصر عقب هزيمة 1967 وهو في رتبة عقيد لكي يعيد بناء سلاح الجو المدمَّر ويُعده لانتصار أكتوبر 1973.

لم أنس أبداً أيضاً تعليق أحد الأصدقاء الإنجليز أثناء مرحلة محاكمة مبارك ونقله من بيته إلى المستشفى، ومنه إلى القفص الذي بُني له خصيصاً تحت إشراف الوزير المختص وقتها، ثم إلى السجن، وقتها تساءل صديقي متعجباً: «ألم يحارب مبارك يوماً مع الجيش؟»، فأجبته: بل شارك في 3 حروب منذ حرب السويس عام 1956، ثم حرب يونيو 1967، ثم أخيراً حرب أكتوبر 1973، التي تعد بحق الانتصار الأهم في تاريخ العرب.

تعجب الرجل مما يتعرض له مبارك وقتها من مهانة، قائلاً: «لو أنه في بلادنا لكان الوضع مختلفاً، هذا رجل حارب ووضع روحه على كفه، ليس مرة ولكن مرات، وهذا له قيمة كبيرة أن تكون محارباً من أجل بلدك».

ويقيناً، مبارك انتمى إلى جيل القادة المحاربين الكبار، وهو دور تاريخي لا يمكن إنكاره أو محوه، وفي نفس الوقت هو رئيس حكم مصر 30 عاماً، وهو بالتأكيد أمر قابل للنقد والاتفاق والاختلاف.

لم تكن محاكمات الرئيس الأسبق أكثر التصرفات قسوة ضده، ولكني أعتقد أنها اللحظة التي قرروا وقتها سحب كافة النياشين والقلائد والأوسمة التي حصل عليها، وأظن أن إحساسه بنزع نجمة سيناء (قلادة حرب أكتوبر) منه كان أكثرها قسوة عليه.

كان الله حليماً بحسني مبارك بأن أعطاه الفرصة ليرى جزءاً كبيراً من رد الاعتبار إليه، بعد أن عانى كثيراً، فأصبح غير مدان بأي تهمة، بل بدأ إدراك كثير من المصريين يميل إلى التعامل الموضوعي مع مبارك باعتباره رئيساً أخلص لبلده فأصاب وأخطأ.

بدا الأمر لكثير من المصريين وكأنها لحظة محسوبة بعناية إلهية، لقد دخل مبارك غرفة العناية المركزة قبل شهر تقريباً، بقي فيها 30 يوماً، واستقبل فيها منذ أيام قليلة خبر براءة نجليه علاء وجمال في ساحة القضاء في آخر قضايا لهما أمام المحاكم.

وكان آخر ما قال عنه محاميه فريد الديب بعد أن علم بخبر براءة ولديه: «الحمد لله، ربنا أنصفنا بعد سنين طويلة».