هاني الظاهري

محزن أن يصل الحال بصحف عريقة ذات تاريخ كبير ومهم إلى الانهيار التام والخروج من الساحة الإعلامية بشهادة وفاة علنية نتيجة الإفلاس.. محزن لأن هذه الصحف جزء قيّم من ذاكرة الشعوب وثقافتها وأرشيف ضخم للأحداث والقضايا والآراء لعقود واكبت فيها الصحف تفاصيل وخبايا التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية لحظة بلحظة منذ صدورها.

خلال اليومين الماضيين تداول المهتمون أخباراً عن صدور قرار نهائي بتوقف صحيفة الحياة السعودية وإغلاقها بشكل كامل من قبل ملاكها، وهو خبر مؤلم للوسط الإعلامي العربي بشكل عام، ولي بشكل شخصي، فقد قضيت سنوات عدة كاتباً منتظماً فيها كانت خلالها تلك الصحيفة ملء السمع والبصر، وكلي قناعة بأن وصولها إلى هذه النهاية لايليق باسمها ولا بتاريخها.. لكن السؤال المهم الذي ينبغي أن تستفيد من إجابته الصحف الأخرى هو: ما الذي أوصل صحيفة الحياة إلى هذه الخاتمة الحزينة؟ في رأيي إن الحياة وغيرها من الصحف العربية التي غادرت محملة بالديون ومشهرة الإفلاس لم تكن لتصل إلى هذا المصير لو أنها حظيت بإدارات احترافية قادرة على توظيف التقنية في صناعة المحتوى وتسويقه بشكل عصري يتماشى مع مستجدات التقنية الاتصالية في العالم، فالصحف ليست مجموعة من الأوراق لنعزو وفاتها إلى نهاية عصر الورق، وإنما هي مؤسسات تجارية لصناعة المحتوى وتسويقه، وبطبيعة الحال فإن المحتوى الجيد يدر المليارات على صناعه إذا نجحوا في تسويقه، وهو ما يعني أن استمرارية ونجاح وربحية أي مؤسسة إعلامية اليوم نتاج ثلاثة عناصر متحدة هي:

- إدارة ابتكارية قادرة على التطوير والإبداع ووضع الإستراتيجيات الناجحة.

- فريق محترف في صناعة المحتوى الجاذب (الذي يشكل أهمية لدى المتلقي) بمختلف تقنياته وأشكاله العملية سهلة التداول والانتشار.

- فريق تسويق أكثر احترافاً في قراءة السوق وتوظيف التقنية وصناعة القيم المضافة لجني الأرباح.

أما زمن نقل الأخبار والقوالب الكلاسيكية والمفاهيم العتيقة للصحافة فقد ولى بدون رجعة، فما لدينا الآن ليس صحفاً بالمعنى القديم وإنما منصات تقنية لتقديم محتوى أي أن (القناة التلفزيونية والصحيفة والإذاعة) تصنيفات انتهت عملياً وباتت جميعها منصات محتوى مرئي مسموع مقروء، والمحتوى الجيد وحده لايمكن أن يصل بدون تسويق جيد، ولا يمكن أن يحقق ربحية دون أفكار إبداعية لصناعة الربحية، أي أن الاعتماد على بعض الصحافيين لقيادة المؤسسات الإعلامية في هذا العصر فكرة فاشلة تماما وتؤدي إلى الإفلاس، فخلطة النجاح لأي مؤسسة إعلامية اليوم عبارة عن مثلث أضلاعه «إدارة لديها رؤية، فريق صناعة محتوى إبداعي، فريق تسويق ابتكاري»، وأي ضعف في أحد هذه الأضلاع الثلاثة يعني جنازة جديدة في الساحة الإعلامية، والأكيد أن أغبى رهان هو الرهان على الوقت وتحسن الظروف لأنه رهان العاجزين.